الأربعاء، 21 أغسطس 2013

فارس الخوري

ooo فارس الخوري وطني لم يوفه التاريخ حقه
فمن هو هذا الفارس
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,دخل إلى الأمم المتحدة حديثة المنشأ، بطربوشه الأحمر وبزته البيضاء الأنيقة…

قبل موعد الاجتماع الذي طلبته سوريا من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق واتجه مباشرة إلى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا. بدء السفراء بالتوافد إلى مقر الأمم المتحدة بدون إخفاء دهشتهم من جلوس ‘فارس بيك الخوري’ المعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته في المقعد المخصص للمندوب الفرنسي، تاركا المقعد المخصص لسوريا فارغا. دخل المندوب الفرنسي بعده، ووجد فارس بيك يحتل مقعد فرنسا في الجلسة…

فتوجه إليه وبدأ يخبره أن هذا المقعد مخصص لفرنسا ولهذا وضع أمامه علم فرنسا، وأشار له إلى مكان وجود مقعد سوريا مستدلا عليه بعلم سوريا ولكن فارس بيك لم يحرك ساكنا، بل بقي ينظر إلى ساعته..

دقيقة، اثنتان، خمسة…

استمر المندوب الفرنسي في محاولة ‘إفهام’ فارس بيك بأن الكرسي المخصص له في الجهة الأخرى ولكن فارس بيك استمر بالتحديق إلى ساعته: عشر دقائق، أحد عشرة دقيقة وبدء صبر المندوب الفرنسي بالنفاذ واستخدم عبارات لاذعة ولكن فارس بيك استمر بالتحديق بساعته، تسع عشرة دقيقة، عشرون، واهتاج المندوب الفرنسي، ولولا حؤول سفراء الأمم الأخرى بينه وبين عنق فارس بيك لكان أمسك بها وخنقه….

وعند الدقيقة الخامسة والعشرين، تنحنح فارس بيك، ووضع ساعته في جيب الجيليه، ووقف بابتسامة عريضة تعلو شفاهه وقال للمندوب الفرنسي:

سعادة السفير، جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضبا وحنقا، سوريا استحملت سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة، وآن لها أن تستقيل. في هذه الجلسة نالت سوريا استقلالها، و جلا الجنود الفرنسيون عن أرضها.

أما في 8 آب أغسطس1920، فأقيمت مأدبةٌ في قصر المهاجرين – القصر الجمهوري الحالي – حضرها وزراءُ ثاني حكومة شكَّلها الفيصليون وعددٌ كبير من وجهاء المدينة. أخذ غورو القائد الفرنسي المغرور يمتدح منظر دمشق وغوطتها أثناء الطعام، ثم أجال نظره في القاعة التي هم فيها، وكأنه أراد التهكم والاستخفاف بالملك فيصل فقال: “أهذا هو القصر الذي سكنه فيصل؟”

فأجابه فارس: “نعم، يا صاحب الفخامة، هذا هو القصر الذي سكنه الملك فيصل، وقد بناه والٍ عثماني اسمه ناظم باشا، ثم حلَّ فيه جمال باشا، ثم الجنرال ألنبي، والآن تحلُّونه فخامتكم. وجميع مَن ذكرتُهم أكلنا معهم في نفس القاعة، وكلهم رحلوا، وبقي القصر وبقينا نحن.” سمع الجنرال غورو هذه العبارة فصمت، ووجم كلُّ مَن كان حول المائدة، ولم ينطق أحد حتى انتهاء المأدبة. وكان الشيخ تاج الدين الحسيني حاضرًا، فقال لفارس بعد الحفلة: “منذ هذا اليوم انتحرت، ولن تقوم لك قائمة مع الفرنسيين.” فيجيب فارس: “وأنا أيضًا لم أرغب أن تقوم لي قائمة، وإنما هي معركة ولن تنتهي حتى يرحلوا.

أما عن رأيه في الإسلام فقد أدلى به أكثر من مرة:

- (.. يمكن تطبيق الإسلام كنظام دون الحاجة للإعلان عنه أنه إسلام). ـ (… لا يمكننا محاربة النظريات الهدامة التي تهدد كلاّ من المسيحية والإسلام إلا بالإسلام).

ـ (… لو خيرت بين الإسلام وبين الشيوعية لاخترت الإسلام).

ـ (… هذا هو إيماني. أنا مؤمن بالإسلام وبصلاحه لتنظيم أحوال المجتمع العربي وقوته في الوقوف بوجه كل المبادئ والنظريات الأجنبية مهما بلغ من اعتداد القائمين عليها. لقد قلت ولازلت أقول، لا يمكن مكافحة الشيوعية والاشتراكية مكافحة جدية إلا بالإسلام، والإسلام وحده هو القادر على هدمها ودحرها).

لقد كان فارس الخوري متجرداً في أحكامه، عميقاً في تفكيره، صائباً في نظرته، وقد جره هذا الإنصاف لأن يقول عن (الإسلام) الذي درسه وتعمق فيه أنه محققاً للعدالة الاجتماعية بين بني البشر. ويؤثر عنه كثير ممن عاشره حبه للإسلام وتعلقه به عقيدة وشريعة، وكثيراً ما أسر باعتقاده هذا إلى زائريه ومخلصيه.

فلننظر إلى هذا الإنسان العادل المتجرد حتى في مواقفه السياسية : فأثناء ترؤس فارس الخوري الحكومة عام 1954 أقدمت محكمة الثورة المصرية بعهد عبد الناصر على إصدار الحكم بالإعدام على ستة من زعماء جماعة الإخوان المسلمين المصرية فعمّت المظاهرات العارمة كافة المحافظات السورية احتجاجا على ذلك، قام فارس الخوري بالاتصال بجمال عبد الناصر ومما قاله في مناشدة المسئولين المصريين: “إنني أضع كرامتي وكرامة حكومتي مقابل إسقاط الحكم والإفراج عن المحكومين من جماعة الإخوان المسلمين، ولكن السلطات المصرية لم تستجب له (كما لم تستجب لكافة الدعوات الشعبية و الحكومية)، رغم الذكريات الخالدة في أذهان المصريين عن هذا الرجل و دفاعه عنهم في المحافل الدولية كما سنرى في سيرته، و قد تركت هذه الحادثة أثراً في نفسه بقي معه حتى وفاته.

و قد حافظ سهيل ابن فارس الخوري الوحيد على إرث أبيه في مواقفه المتجردة من الطائفية ففي عام 1957 حصلت انتخابات تكميلية في دمشق على مقعد شاغر في مجلس النوّاب بعد وفاة شاغله الأصلي، فتنافس على المقعد مرشّح الحكومة اليساري البعثي والمرشح الإسلامي مصطفى السباعي، فوقف سهيل فارس الخوري (والد الروائية المعروفة كوليت) داعما قويّا للدكتور مصطفى السباعي.

أما عن تعلقه بلغته العربية فقد كان شاعراً وطنياً و أديباً متميزاً و لولا انشغاله بالسياسة و الاقتصاد و الشؤون الوطنية و القومية لكان أحد أكبر الأدباء في زمانه و كان يحرص على الفصحى تكلماً و سماعاً و لتبيان ذلك نذكر هذه القصة الطريفة من إحدى جلسات مجلس النواب الذي كان يرأسه والذي كان فيه العديد من النواب العوام قليلي الثقافة ، فوقف أحد هؤلاء يخطب و يقول :حضرات النواب المحترمون. فصحح له فارس، بل قل: حضرات النواب المحترمين ، فصحح النائب ثم تابع وقال: كان النواب المحترمين، فقاطعه فارس بيك قائلاُ: بل قل: كان النواب المحترمون. هنا غضب النائب العامي وقال عندما قلت محترمون خطأتني وقلت محترمين. أتسخر مني يا بيك، ماذا تريدني أن أقول، محترمون أم محترمين. فأجابه فارس بيك: لا، لكن هكذا يريد سيبويه.

فمن هو فارس الخوري :

ولد فارس يعقوب الخوري في قرية الكفير (حاصبيا –لبنان) في 20 تشرين ثاني 1873م. لوالد مسيحي بروتستانتي، كان يعمل نجاراً، والدته حميدة عقيل الفاخوري ابنة رجل قضى في مذبحة عام 1860 بين الدروز والمسيحيين. كانت مهتمة بابنها البكر فارس كل الاهتمام وتخطت كل المصاعب من أجل تعليمه.

تلقى فارس الخوري علومه الابتدائية في مدرسة القرية، ثم بالمدرسة الأمريكية في صيدا، ولما كان متفوقاً على أقرانه فقد عينه المرسلون الأمريكان معلماً في مدرستهم الابتدائية في زحلة.

دخل فارس الكلية الإنجيلية السورية، والتي سميت بعد ذلك (الجامعة الأمريكية) ببيروت. وحصل على شهادة بكالوريوس في العلوم عام 1897.
دعي فارس الخوري لإدارة المدارس الأرثوذكسية في دمشق، ولإعطاء بعض الدروس في مدرسة تجهيز عنبر. ثم عُين ترجماناً للقنصلية البريطانية (1902 – 1908) حيث أكسبته وظيفته الجديدة نوعاً من الحماية ضد استبداد الحكم العثماني.

لم يترك فارس الخوري الدرس والتحصيل، بل ظل منكباً على الدراسة والمطالعة فدرس اللغتين الفرنسية والتركية لوحده دون معلم وبرع فيهما، كما أنه أخذ يطالع الحقوق لنفسه، وامتهن المحاماة، وتقدم بفحص معادلة الليسانس بالحقوق فنالها. في عام 1908م انتسب لجمعية الاتحاد والترقي فكان هذا أول عهده بالسياسة.

انتخب فارس الخوري سنة 1914 نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني. وفي سنة 1916 سجنه جمال باشا بتهمة التآمر على الدولة العثمانية، لكنه بُرئ ونفي إلى استانبول، حيث مارس التجارة هناك.

عاد فارس الخوري إلى دمشق بعد انفصال سوريا عن الحكم العثماني. وفي عام 1919 عُين عضواً في مجلس الشورى الذي اقترح على الشريف فيصل تأسيسه، كما سعى فارس مع عدد من رفاقه إلى تأسيس معهد الحقوق العربي، وكان هو أحد أساتذته، كما اشترك في تأسيس المجمع العلمي العربي بدمشق.

تولى فارس الخوري وزارة المالية في الوزارات الثلاث التي تألفت خلال العهد الفيصلي. وعلى إثر احتلال الفرنسيين لسوريا عام 1920 انصرف الخوري إلى العمل الحر كمحام. ثم انتخب نقيباً للمحامين واستمر خمس سنوات متتاليات، كما عُين حقوقياً لبلدية دمشق، وعين أستاذاً في معهد الحقوق العربي لتدريس مادتي أصول المالية وأصول المحاكمات الحقوقية. لفارس الخوري ثلاث مؤلفات في القانون هي: (أصول المحاكمات الحقوقية) و (موجز في علم المالية) و (صك الجزاء).

أسس فارس الخوري وعبد الرحمن الشهبندر وعدد من الوطنيين في سوريا حزب الشعب رداً على استبداد السلطة الفرنسية… ولما نشأت الثورة الفرنسية عام 1925 اعتقل فارس الخوري وآخرون ونفوا إلى معتقل أرواد.

في عام 1926 نفي فارس الخوري إلى خارج سورية بسبب استقالته من منصب وزير المعارف في حكومة الداماد أحمد نامي بك احتجاجاً على سوء نوايا الفرنسيين.

شارك فارس الخوري وعدد من الوطنيين في تأسيس الكتلة الوطنية، وكان نائباً لرئيسها يضع القرارات ويكتب منشوراتها، وهذه الكتلة قادت حركة المعارضة والمقاومة ضد الفرنسيين، وكانت من أكثر الهيئات السياسة توفيقاً وفوزاً مدة تقارب العشرين عاماً.

على أثر الإضراب الستيني الذي عم سوريا عام 1936 للمطالبة بإلغاء الانتداب الفرنسي تم الاتفاق على عقد معاهدة بين سوريا وفرنسا، ويقوم وفد بالمفاوضة لأجلها في باريس، فكان فارس الخوري أحد أعضاء هذا الوفد ونائباً لرئيسه.

انتخب فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري عام 1936 ومرة أخرى عام 1943، كما تولى رئاسة مجلس الوزراء السوري ووزيراً للمعارف والداخلية في تشرين أول عام 1944… وكان لتولي فارس الخوري رئاسة السلطة التنفيذية في البلد السوري المسلم وهو رجل مسيحي صدى عظيم فقد جاء في الصحف الغربية : (… وأن مجيئه إلى رئاسة الوزراء وهو مسيحي بروتستانتي يشكل سابقة في تاريخ سورية الحديث بإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم، مما يدل على ما بلغته سورية من النضوج القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به رئيس الدولة من حكمة وجدارة). وقد أعاد تشكيل وزارته ثلاث مرات في ظل تولي شكري القوتلي رئاسة الجمهورية السورية.

في عام 1945 ترأس فارس الخوري الوفد السوري الذي كُلّف ببحث قضية جلاء الفرنسيين عن سوريا أمام منظمة الأمم المتحدة، التي تم تأسيسها في نفس العام، حيث اشترك الخوري بتوقيع ميثاق الأمم المتحدة نيابة عن سورية كعضو مؤسس.

كما ألقى الخوري خطبة في المؤتمر المنعقد في دورته الأولى نالت تقدير العالم وإعجابه. حيث أبدى فيها استعداد سورية وشقيقاتها العربيات لتلبية نداء البشرية من أجل تفاهم متبادل أتم، وتعاون أوثق، كما تحدث فيها عن خطورة المهمة الملقاة على عاتق المؤتمر، وأظهر تفاؤله في إمكانية تحقيق الفكرة السامية التي تهدف إليها المنظمة العالمية. وبناء على جهوده فقد منحته جامعة كاليفورنيا (الدكتوراه الفخرية) في الخدمة الخارجية اعترافاً بمآثره العظيمة في حقل العلاقات الدولية.

انتخب فارس الخوري عضواً في مجلس الأمن الدولي (1947 – 1948)، كما أصبح رئيساً له في آب 1947، وقد اهتم بالقضية الفلسطينية اهتماماً خاصاً، وأكد رفض الدول العربية إقامة دولة لليهود فيها. كما شرح القضية المصرية وطالب بجلاء الإنجليز عن أراضيها، وأكد على السلام العالمي وطالب بإنهاء تنافس الدول الكبرى، وحذر من وقوع حرب ذرية مدمرة. ولطالما ضجت هيئة الأمم بخطبه ومناقشاته باللغة الإنجليزية من أجل نصرة الحق في القضية العربية.

عاد فارس الخوري إلى بلاده بعد انتهاء عضوية سورية في مجلس الأمن الدولي، وكان قد انتخب رئيساً للمجلس النيابي لعام 1947 عندما كان يمثل سورية في مجلس الأمن. ولكن عندما حل هذا المجلس على أثر الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم ثابر فارس الخوري على عمله في الحقل الدولي، وترأس الوفود السورية إلى هيئة الأمم متابعاً نضاله ودفاعه عن القضايا العربية.

في عام 1954 طلب رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي من فارس الخوري تشكيل حكومة سورية، لكن الوزارة الرابعة التي شكلها لم تستمر سوى أشهر معدودة.

بعد ذلك اعتكف فارس الخوري في منزله.. يذهب مرة كل عام إلى جنيف ليشترك في جلسات لجنة القانون الدولي التي هو عضو فيها. وأقيمت الوحدة بين سورية ومصر ولم يكن للأستاذ فارس الخوري أي رأي بقيامها أو بانهيارها.

في 22 شباط 1960، أصيب فارس الخوري بكسر في عنق فخذه الأيسر بغرفة نومه، وكان يعاني من آلام المرض الشديد في مستشفى السادات بدمشق، حينما منح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من قبل الرئيس جمال عبد الناصر بناء على توصية المجلس الأعلى للعلوم والفنون.

ترجل هذا الفارس العظيم عن خيله العربي الأصيل و كانت وفاته مساء الثلاثاء 2 كانون الثاني يناير 1962، في مستشفى السادات بدمشق.

الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

ان لم تدمع عيناك فراجع انسانيتك

لن تصدق ما ستقراء ولا انصح بها اصحاب القلوب الضعيفة

هذه أحداث حقيقية حدثت معي في عام 1980 وقد تم تغيير الأسماء للضرورة فقط.
كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلاً؛ عندما بدأ قلبي بالانقباض كسائر أفراد العائلة، حيث أخذت أمي بالتساؤل برعب: هل سيأتون هذه الليلة؟ .. كعادتهم في منتصف الليل يدقون الباب كالوحوش ويدهم على جرس الباب، آه من صوت ذلك الجرس اللعين كم أكره صوته عندما يدق ولا يتوقف، حيث أعرف أن عناصر المخابرات ستتدفق إلى بيتنا كالبغال بمجرد أن نفتح الباب. قلت لأمي: إن شاء الله لن يأتوا، فقد كانوا هنا منذ يومين عندما جاؤوا يسألون عن أخي كمال، وقبلها بأيام ثلاثة كانوا للسؤال عن أخي جمال. ولتغيير مجرى الحديث، قام والدي بتشغيل التلفاز (وكان عرض آنذاك مسرحية "المتزوجون" المصرية لسمير غانم) وها هي الضحكات تنطلق من مشاهدي المسرحية، لكن بالتأكيد حتى ابتسامة لم تصدر عن أمي التي كانت تنظر إلى الساعة لحظة بعد أخرى، ويدها تمسك بحجابها الذي اعتادت أن تلبسه بسرعة الريح قبل أن دخول الوحوش إلى بيتنا. ومضت ساعتان .. وفجأة دق جرس الباب اللعين كالعادة في مثل هذا الوقت بلا توقف، يصاحبه طرق عنيف على الباب باليد وركل بالأقدام .. ارتعدت أمي وصاحت جاؤوا! واندفع أخي سعيد ليفتح الباب، وخلال ثانية واحدة كان بيتنا مليء بوحوش المخابرات السورية بكامل عتادهم، وكأنهم على خط الجبهة الأول. انطلقوا يفتشون البيت زاوية زاوية، في حين كنا أنا وأمي وأبي، وأخي سعيد وأختي الصغيرة ذات الخمسة أعوام؛ نقف بجانب الجدار ممنوعين من الحركة. وبعد دقيقة كأنها سنة؛ سألوا أبي: أين جميل؟ سقط قلبي بين قدمي من هول المفاجأة بالرغم أنني قد شهدت خلال الشهور الماضية أكثر من 20 مداهمة ليلية لبيتنا كان السؤال فيها عن أخوتي كمال وجمال، لكن الوضع هذه المرة مختلف فالسؤال عني أنا!

كنت أبلغ من العمر آنذاك 11 عاماً، نعم يا سادتي أحد عشر عاماً، وها أنا ذا أكتبها كتابة ورقماً حتى لا تظنوا أن في الأمر خطأ مطبعي. أعاد الوغد السؤال ثانية وهو يصرخ: "ولك قل لي أين جميل؟"، فأشار أبي إلي بإصبعه وقال لهم: هذا جميل ماذا تريدون منه، إنه طفل صغير. ونظر الضابط إليّ مصدوماً حائراً وابتعد عنا خطوات باتجاه المطبخ، وأخرج جهاز اللاسلكي واتصل برئيسه قائلاً: سيدي جميل هذا ولد صغير!! وجاءه الجواب مباشرة: عندما قلت لك أحضر جميل لم أقل لك جميل ولد كبير أو ولد صغير، قلت لك أحضر جميل "يالله جيبو بسرعة".

كان الحوار مسموعاً واضحاً، فبدا أبي يتوسل إلى الضابط ويرجوه أن يأخذه بدلاً عني، إلا أن الضابط دفعه جانباً وتقدم باتجاهي قائلاً: "البس برجلك وامشِ معي، يالله بسرعة تحرك". عاد أبي يتوسل وأمي تبكي وتصيح، إلا أن الضابط قال لهم وهو يظن أنه يطمئنهم: "لا تخافوا رح يروح معنا 5 دقائق وبنرجعو لعندكم"، ناسياً هذا الوغد أن الصغير والكبير في بلدنا أصبح يعرف خمس دقائقهم تلك التي لا تنتهي أبداً.

لم يسمحوا لي بتغيير ملابس النوم بنطلون البيجاما وفوقه فانيلا صيفية، فقط سمحوا لي بلبس "شحاطة" بلاستيكية، انظروا إلى هذا الكرم. ونزلت معهم إلى السيارة بلها السيارت، والدهشة تعقد لساني وعيوني تلتفت في كل الاتجاهات. وبدأ عناصر المداهمة بالتجمع حول السيارات، وانطلقت إشارات مصابيح بطارياتهم ترسل إشارات خاصة إلى سطح عمارتنا تشير لمن فوقها بالنزول، فقد انتهت الحرب، عفواً المهمة. كان عددهم كبيراً جداً، كانوا منتشرين في كل مكان، فهم قد جاؤوا للقبض على "الزعيم الأوحد" (هذا ما قاله صديق ابن عمي، حيث قال له: كنت ماراً في منتصف الليل في حارتكم ووجدت المخابرات في كل مكان وعلى أسطح 3 عمارات، و4 سيارات، والوضع غير طبيعي. فقلت في نفسي: إنهم سيقبضون على "الزعيم الأوحد"، فرد عليه ابن عمي: نعم .. نعم لقد قبضوا فعلاً على الزعيم الأوحد، وهو ابن عمي جميل ابن الأحد عشر عاماً).

اندست العناصر داخل سياراتهم ووضعوني في سيارة "بيجو ستيشن 504" والتي مجرد رؤيتها لأي سوري تزيد من دقات قلبه، جلس في المقعد الأمامي رئيسهم وبجواره السائق. وحشروني بين وغدين على اليمين واليسار في المقعد الأوسط، بينما جلس 3 عناصر في الستيشن وبابها مفتوح وهم يمسكون برشاشاتهم (هذا التوصيف لمن لا يعرف المخابرات السورية، أما من رآهم فهو يعرف كيف يجلسون ويتجولون في أرجاء المدينة). أما السيارات الثلاثة الأخرى فقد كانت عبارة عن بيك آب (شاحنة صغيرة) جلس فيه اثنان بجانب السائق وواحد في الصندوق الخلفي والسيارة الثالثة من نوع "رنج روفر" إحدى أشهر سيارات المخابرات، وكانت مليئة، حيث تتسع لـ 10 عناصر، وخلفنا كانت تسير السيارة الرابعة، وهي سيارة "جيمس" لـ 12 عنصر أيضاً. وتحرك الموكب ومعه "الزعيم الأوحد" الذي دوخ البلاد والعباد، والذي احتاج لـ 4 سيارات مليئة بـ 33 عنصر للقبض عليه.

وانطلقت السيارات تهوي باتجاه مبنى المخابرات العسكرية في حلب، وفي الطريق انطلق صوت لاسلكي الضابط طالباً منه المرور بمنطقة شارع العزيزية لإحضار ضحية أخرى، وانعطف الموكب وتكررت العملية أمام ناظري، وتدافع الوحوش إلى الأسطح والعمارات، وعادوا برجل معصوب العينين وأدخلوه سيارة البيجو ليرموه بجانبي. ومضى الموكب إلى فرع المخابرات العسكرية في السريان، وحال وصولنا أخذني رئيس المداهمة إلى ضابط كبير، وبدأ يسألني عن أهلي وعن إخوتي جمال وكمال وأين هم الآن، وأنا أجيبه: لا أعرف .. ضاق بي ذرعاً، وبعد قليل رن هاتف بجانبه، ومن ثم ضغط جرساً بجانبه ليأتي عنصر طلب منه أن يأخذني لـ "المعلم"، وانطلق بي عبر سلالم حتى وصلنا إلى جناح فاخر، طرق على الباب وأدخلني، شعرت برجفة اجتاحت عظامي، فقد كان المكتب مكيفاً بارداً وأنا بملابس النوم. تمالكت نفسي، دارت عيناي في أرجاء المكتب، كان واسعاً جداً، طويلاً جداً يجلس في صدره رجل ضخم أصلع أمامه مكتب ضخم وبجانبه أكثر من 10 تلفونات، أما المفاجأة الكبرى فقد كانت لوحة ضخمة فوق رأسه مكتوب عليها آية قرآنية كريمة: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" يا للمهزلة، صدقوا أو لا تصدقوا، فوق رأس هذا المعلم - الذي علمت فيما بعد أنه (..) مصطفى التاجر الذي يعرف جميع الحلبيين ظلمه، وفيما بعد كثير من السوريين والعرب بعد ترؤسه فرع فلسطين – فوق رأسه آية قرآنية كريمة عن الحكم بالعدل!

أعاد عليّ التاجر كل الأسئلة السابقة، وأجبته بأني لا أعرف شيئاً، فعلاً أنا لا أعرف شيئاً، وماذا يعرف طفل في الحادية عشر من عمره إلا اللعب والمدرسة؟ لم يعجبه جوابي، فقال لرجل يجلس عنده في المكتب: يبدو أن هذا الولد يحب أن يجرب الدولاب. ونظر إليّ، ولمّا لم يبد عليّ التأثر، أدرك بذكائه الخارق أنني لا أعرف حتى ما هو الدولاب، فأردف قائلاً: "شوف ولك كلب يا بتحكي كل شي بتعرفوا يا بقول للعناصر يعلقوك بالفلق ساعتين". وهنا بدأت أبكي، فالآن عرفت ماذا يقصد، فالفلق وسيلة تعليمية رائجة في مدرستنا، وأغلب الطلاب يعرفون طعمها بمن فيهم أنا. بدأت أصيح: "يا عمو والله ما بعرف شي ولا بعرف وين إخوتي .. يا عمو الله يخليك، والله ما عملت شي". وبدا له أنني فعلاً لا أعرف شيئاً، فرن جرساً بجانبه، وقال للحرس: خذوه.

أخذوني وأدخلوني إلى الزنزانة الجماعية، كانت مزدحمة بعدد كبير جداً من الرجال، الجميع يجلس وقدميه تحته حتى يفسح المجال، وسط الغرفة مليء أيضاً. لا تزيد مساحتها عن 4×3 أمتار؛ تحوي أكثر من 50 رجلاً، كما عددتهم فيما بعد.

بقيت فيها 5 أيام، كانت كألف ليلة وليلة بالنسبة لي، من حيث الزمن كانت ألف ليلة، ومن حيث المشاهدات والغرائب كانت كقصة ألف ليلة وليلة الشهيرة. كان فيها طالب الطب الذي كان يدرس في تركيا وعاد متخرجاً ليستقبل من المطار إلى الزنزانة، المشكلة تشابه أسماء .. المدة التي قضاها حتى سماعي قصته شهرين! فيها المهندسون والطلاب وشباب سوريون دفعهم الحماس للتطوع في لبنان ووجدوا أنفسهم في قبضة المخابرات السورية. كان معنا شخص إيراني أذكر أنني صعقت لرؤية قدمه اليسرى وقد حفرت بتأثير الضرب عليها، حتى بانت عظام القدم والقيح يفيض منها، كان منظراً مؤلماً. كل واحد فيهم كان له قصة أكثر غرابة من أخيه.

أول ما رموني في الجماعية حاول السجناء أن يخففوا عني والسؤال عن سبب وجودي، ولكن سرعان ما فُتحت طاقة صغيرة من الباب الحديدي؛ ليزمجر سجان متوحش: "ممنوع حدا يحكي مع الولد، وإذا شفت حدا بيحكي معو رح أطالعو لعندي" .. وبدأ بذكر سباب لم أسمع له مثيلاً. كان هذا التهديد كافياً ليرعبهم ويجلسهم صامتين، ويبدو أن الخروج إلى عند ذلك المتوحش يعني الكثير، وهذا ما عرفته فيما بعد.

أذكر قصة لواحد من هؤلاء المساكين، كان يقف على المخبز يتزاحم مع الناس عله يفوز بشراء كيلوغرام من الخبز، ذلك الخبز الذي جعل حافظ الأسد شراءه بعد الساعة 9 صباحاً حلماً .. كان يقف ذلك الرجل، وإذا بعنصر مخابرات يقف خلفه ويلمح في جيب هذا المسكين محفظته، فمد هذا العنصر يده سارقاً المحفظة، وانتبه صاحبها، وبدأ يصيح: حرامي حرامي، إلا أن ذاك العنصر كان حاضر الشيطان – عفواً البديهة – فأفصح عن هويته قائلاً: "ولك يا حرامي بدك تسرق رجل أمن"؟ وبلحظات انقلب الحق إلى باطل، وأصبح المسروق سارقاً، ولم يكتف ذاك العنصر بذلك، بل صاح بالمسروق: "قدامي عالفرع يا حرامي يا ابن ..". وساق المسكين إلى الفرع، وتناوب هو ورفاقه على ضرب ذاك المسكين حتى أنهم – وأذكر ذاك جيداً – قشروا جزءاً من جلد ظهره على آلتهم الجهنمية "بساط الريح"، والأسوأ من ذلك أنهم سجلوا اسم الرجل في دفتر التفقد اليومي بـ "الحرامي"، فكان الرجل يقول حاضر سيدي عندما ينادى على الحرامي.

وقصة أخرى لعجوز يبلغ من العمر 75 عاماً، وكان يشبه جدي، حين دخل السجان "مين منكم ما راح عالحمام؟"، فرفع العجوز إصبعه دون أن يقف على قدميه، فجن جنون السجان، وصاح: "بترفع إصبعك دون أن تقف يا ابن ال .."، وانهال عليه ضرباً، "ما بدك توقف على رجليك يا .. أنا بعرف شلون أخليك تقف على رجليك".

أما ما لا أنساه أبداً، فهو صراخ تلك المرأة في منتصف الليلة الثانية لقدومي وهي تستغيث من شدة التعذيب، وتقول لجلادها: "ما عندك أم، ما عندك أخت، منشان الله"، وما يزيد ذلك اللئيم إلا أن ينهال عليها ضرباً وشتماً وسباً. لا أنسى تلك الصرخات التي تدوي في رأسي مستغيثة، وما من أحد يملك أن يساعدها إلا الله. 

في اليوم الثالث طلبوا مني، وبما أنني صغير السن ولا أقدّر الأمور ولا أعرف الأشخاص، طلبوا مني أن أقوم بالمساعدة بتوزيع الطعام على زنازين المهجع الذي كان يضم حوالي 20 زنزانة انفرادية وواحدة جماعية.

كنت أساعد سجيناً آخر يقوم بمهمة توزيع الطعام، ويبدو أن لهذا السجين واسطة قوية ليقوم بأعمال السخرة من تنظيف للحمامات وتوزيع للطعام، لكن بعد انتهاء مهامه يعود إلى زنزانته ليقفل الحرس عليه الباب، يطلق عليه في السجون السورية عادة لقب "الخزمجي". الطعام عبارة عن برغل منقوع ولا أظنه مطبوخاً من شكله وطعمه. بدأنا بالتوزيع، أنا أحمل الصحون والخزمجي يدق الباب ويفتح الشباك مناولاً الصحن للسجين، وعند الزنزانة رقم 8 فتحت نافذتها، فإذا بوجه امرأة يطل منها، فقالت للخزمجي: "أرجوك بنتي بدها تروح الحمام"، فهمس قائلاً: "منشان الله بسرعة وبدون صوت أحسن ما أتبهدل". وفتح لها الباب، فإذا بفتاة تبلغ من العمر حوالي 15 عاماً تقف خلف أمها، يا إلهي كان منظراً لا ينسى، أم وابنتها في زنزانة انفرادية! انطلقت الفتاة بسرعة، وبقينا نحن ننتظرها، وحين عادت أغلق الخزمجي عليهما الباب، وتابعنا توزيع الطعام إلى الزنزانة رقم 9، وكانت امرأة أيضاً، لكن هذه المرة كان وقع المفاجأة أكبر، فهذا الوجه وجه خالة أم وليد، جارتنا في العمارة المجاورة لنا، إلا أن وقع المفاجأة كان أكبر عليها لتراني في السجن، قالت لي: جميل ماذا تفعل هنا؟ ما لذي أتى بك إلى هنا؟ فسرت فيني موجة من البكاء والخزمجي يتوسل لي: "منشان الله اسكت أحسن ما يجي جاسم ويعذبنا"، قلت لها: "خالة أم وليد الله يخليك خلصيني من هون". طلبت من الخزمجي أن يفتح لها الباب لتراني وتتكلم معي للحظات، قالت لي: "والله يا ابني عذبوني عذاب شديد بنص الليل يا ابني هادول ما بخافوا الله، خلعوا كل ملابسي وتركوني عارية وهم يضربونني بالكابلات، ربطوا أسلاك الكهرباء بكاحلي انظر إلى أقدامي" (كانتا مليئتين بالبقع البنية بسبب حروق الكهرباء) تابعت قائلة والخزمجي يرجوها أن تسرع لزنزانتها .. قالت لي: "صحت بالسجان واستنجدت به وذكرته بأن له أختاً وأما، إلا أنه سب أمه وأخته وأمي ولم يستثنِ أحداً". قلت في نفسي: إذاً كانت تلك الأصوات في الليلة الماضية أصوات واستغاثات خالة أم وليد التي طلبت مني قبل أن يدخلها الخزمجي إلى زنزانتها أن اخبر زوجها أبو وليد عن مكان وجودها، حيث أنهم أخذوها في منتصف الليل دون أن يدري أحد إلى أين.

اختنق صوتي وأنا أنظر إليها فأرى صورة أمي فيها، والتي كان إحساسها لا يخطئ في توقع قدوم المخابرات، والتي سقطت مغشياً عليها – كما علمت بعد خروجي – عندما بدأ أهلي يسألون عن مكان وجودي، ونجحت إحدى الوساطات في إخبارهم أنني موجود في فرع المخابرات العسكرية السريان، وعند وصول أهلي عند الحرس، قالت لهم أمي: أريد أن أرى ابني الصغير جميل، فرد عليها وغد منهم ببرودة أعصاب: "مين ابنك إن شاء الله هذا الولد الصغير اللي جابوه من 4 أيام؟"، فقالت أمي وقد تهلهل وجهها: نعم إنه هو، فتابع الخنزير كلامه: لقد أعدموه البارحة فقط. فسقطت أمي مغشياً عليها على درجات فرع المخابرات.

في اليوم الخامس وبعد اتصالات مضنية قام بها والدي، جاء الجلاد منادياً عليّ فقمت مسرعاً، فأخذني إلى غرفة الضابط المسؤول حيث قال لي: "الآن رح نطلعك، بس إذا بتحكي لحدا شو شفت أو سمعت ترى بجيبك لهون وما بتطلع مرة ثانية فهمت ولك ..".

قال لأحد العناصر: خذه وأوصله إلى بيته، وأخذني ذلك العنصر إلى غرفة ثانية وقال لي: "اجلس كمان شوي بتجي السيارة بوصلك"، وتأخرت السيارة، ونظرت إليه فقال لي: "بتعرف تروح لحالك؟ قلت له: نعم"، والحقيقة أنني لا أعرف أين أنا ولا كيف أصل لبيتنا، إلا أنني أريد أن أخرج من عندهم وبعدها "الله بيفرجها".

مد يده في جيبه وأخرج ليرة سورية أعطاني، إياها وقال لي "اركب بالباص وروح على بيتكم"، أخذني من يدي حتى أوصلني إلى آخر نقطة حراسة في الفرع، وبعدها انطلقت راكضاً أبحث عن شارع تزدحم فيه السيارات فيكون شارعاً رئيسياً يقودني إلى بيتنا، وسألت أول رجل قابلته في الشارع: كيف أصل إلى منطقة السبيل؟ فقال لي بعيدة من هنا وتحتاج ركوب باصين.

ركبت الباص الأول فالثاني حتى وصلت حارتنا، كانت الساعة حوالي التاسعة مساء، ركضت إلى البيت حيث كان الجميع في بيتنا يواسي أمي المفجوعة بولدها، وكان لقاء، وكانت لحظات فرح سرعان ما تبددت عندما اقتربت عقارب الساعة من أن تتعانق عند الثانية عشرة ليلاً حينها نظرت إليّ أمي، وقالت: هل سيأتون الليلة؟ ولم أستطع أن أنفي لها قدومهم، فقد أخطأت قبل 5 أيام عندما أكدت لها عدم زيارتهم!

من يدعم الاسد

من يدعم الأسد؟ إيران و روسيا و الصين ؟.. أم أنها أيضا الولايات المتحدة و إسرائيل ؟
يعتقد كثيرون أن الدول الرئيسية التي تدعم نظام الأسد في سورية هي إيران و روسيا و الصين …
و يتناسى البعض أو يتجاهل العلاقات الوطيدة التي ربطت و ما زالت تربط عائلة الأسد الأب و
الابن مع كل من الولايات المتحدة و إسرائيل …
وحقيقة الأمر التي يحاولون التستر عليها هي أن إسرائيل كانت دائما وراء الوقوف في وجه
الضغوط العربية و الدولية للإطاحة بنظام بشار الأسد من خلال تحذيرات من التطرف الإسلامي
الأصولي، و خاصة تنظيم القاعدة، و من فوضى أمنية في المنطقة في حال سقوط الحكم .. و كان
لا بد من التنسيق مع روسيا التي تربطها مع إسرائيل علاقات قوية جدا، عن طريق الجالية
الروسية اليهودية قوية التأثير و النفوذ و التي تتحكم في كثير من أمور السياسة الخارجية
الروسية من خلال شبكة علاقات متميزة مع الكرملين .
إسرائيل لا يمكن أن تنسى أبدا أكثر من أربعة عقود من الأمن و الاستقرار على حدودها مع سورية
في عهد الأسد الأب و ابنه، وهي لا يمكن أن تفرط فيها أبدا دون أن تضمن الحاكم القادم لسورية
وموقفه من الحرب أو السلم معها .
كل هذا أدى إلى تحول كبير في موقف واشنطن بخصوص الشأن السوري، وتحديدا بعد زيارة
نتنياهو الذي نجح في تحويل الوضع السياسي في سورية من قضية نظام دموي وحشي يبيد شعبه
إلى مجرد موضوع إنساني وإغاثي لإنقاذ من بقي على قيد الحياة من أهالي بابا عمرو …
وجاء الصمت الإسرائيلي دون اعتراض على مرور السفينتين الإيرانيتين في طريقهما إلى طرطوس
لإيصال السلاح للنظام السوري ، وكذلك صمتها عن السفن الروسية المحملة بالسلاح الثقيل
لدعم الأسد، جاء ليؤكد و يفسر تحذيرات وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك من مغبة سقوط
نظام الأسد …
وعلى الجانب الآخر ، بعث بشار الأسد رسائل إلى الإدارة الأميركية عبر فيها عن استعداده لاستئناف
محادثات السلام مع إسرائيل … ونقلت الصحف الإسرائيلية عن مصادر أميركية قولها إن الأسد
قال في هذه الرسائل إن % 98 من المواضيع المختلف عليها بين سوريا وإسرائيل تم الاتفاق حولها ،
كما كشف ”راديو جيش إسرائيل“ عن إتصال بشار الاسد برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتانياهو عبر هاتف محمول متصل بالأقمار الاصطناعية ، وقال الراديو : إن الاسد طلب من نتنياهو
و رئيس الموساد أن يساعدوه للخروج من الازمة ووعدهما بالاعتراف بإسرائيل بأسرع وقت في
حال دعمه عند الادارة الامريكية .. وقد كلف رامي مخلوف بالتنسيق مع المسؤولين الاسرائيلين ،
بعد أن كان رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد وأحد أعمدة النظام، قد أعلن بكل صفاقة و وضوح:
”لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سورية“ …
السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن البروفيسور إيتمار رابينوفيتش و هو المتخصص في
الشؤون السورية في جامعة تل أبيب، ذكر في تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت أنه “ إذا
سقط النظام في سوريا فإن المتضررين الأساسيين هما إسرائيل وحزب الله “ . “
و هذا بدوره يقودنا إلى إيران و علاقتها بالنظام السوري الطائفي رغم اعتقاد علمائها و فقهائها
الشيعة أن :
“ العلويون إسم سماهم به الفرنسيون والغربيون ، وإسمهم التاريخي النصيريون ، نسبة الى محمد
بن نصير النمري والمعروف عنهم أنهم يؤلهون عليا صلوات الله عليه ، ومن ألهَّ مخلوقا أو جعله
شريكا لله تعالى في أمره وخلقه ولو بذرة ، فهو كافر “ .
و بالتالي فإن الشيعة يكفرون النصيريين و يعتبرونهم فرقة ضالة وبلا دين .
كما ان بعض الشيعة يقتدون بابن تيمية في حديثه عن العلويين النصيريين و بالمقابل يبدي
العلويون امتعاضهم و سخطهم على عامة الشيعة لترديدهم “ أقوال ابن تيمية فينا ونشرها على
الأنترنيت وفي مختلف المواقع الشيعية معتبرين أنها حقائق دامغة وكأنها كلام منزل ”.
ولكن القيادة السياسية و العسكرية في إيران تحاول التغطية على ذلك بالقول “ إن العلويين ليسوا
نوعا واحدا بل أنواع ، فعلويو سوريا مثلا ، ينكرون أنهم يؤلهون عليا عليه السلام ، ويتشهدون
الشهادتين ، ويقولون نحن شيعة . ومن يشهد الشهادتين فهو مسلم ، ولا يصح أن نحكم بكفره ، حتى
يثبت عليه ما يوجب ذلك كما أن البعض يقول :
“ الظاهر ان العلويين هم شيعة يعتقدون بالأئمة الاثني عشر (ع)، لكن لما كانوا منفصلين عن
العلماء والفقهاء وقعوا في بعض المعتقدات الباطلة من الغلو في الأئمة عليهم السلام، ولعل هذا
الغلو حصل بسبب أتباع (محمد بن نصير النميري) الذين اندسوا فيما بينهم وروجّوا أفكاره
المنحرفة، فان محمد بن نصير كان من الغلاة الذين تبرأّ منهم الأئمة الأطهار عليهم السلام، وقد
اتفّق علماء الرجال من الشيعة على ذلك “ .
يتضح من كل هذا أن إيران تسعى مثل إسرائيل لأن تقضي على سورية مهد الخلافة الأموية لكي
تجعل منها لقمة سهلة سائغة لأطماعها في إخضاع سورية و ضمها الى جمهوريتها الاسلامية
المزعومة بعد أن تنصب عليها من يقول كما قال حسن نصر الله “ ولائي لايران … و لبنان جزء من
الجمهورية الاسلامية الايرانية “ .
فهل يعتبر الأسد أن ولاءه لايران و أن سورية جزء منها ؟؟؟