الأحد، 21 يوليو 2013

تعال نعيش لحظات قابونية

تعال نعيش لحظات في منطقة القابون ونسميها ذكريات قابونية
جيش المقاوم والممانع يزور القابون
فماذا حصل معهم اي القابونين والقابونيات امام جيش هولاكو العصر


لقد مرت أول ليلتان من رمضان بهدوء غير متوقع.. أبو ربيع.. الرجل الستيني.. المُستخدم في مدرسة "الكفاح العربي" في حي القابون الدمشقي.. يدخل الرواق الموصل لصحن بيته العربي الواقع في منطقة البساتين بين القابون وحرستا.. يدخل حاملا كيسا فيه بعض البندورة.. والخيار.. والبيدنجان.. مما جاد به تراب الغوطة الشرقية!!
تستقبله أم ربيع بإبتسامة .. قائلةً.. ليش معذب حالك يا رجال.. والله ما ناقصنا شي.. الحمدلله خير الله كتير..!! يجيبها.. خدي من ايدي يا مرا.. صرلي عشر ايام مشتهي ع مسقعة.. عمليلنا ياها ع الفطور.. أنا رايحاتوضى وصلي العصر واقرا شوية قرآن.. 
بينما ينهي أبو ربيع كلامه.. يدوي انفجار ضخم.. يهز اركان البيت.. تصيح ام ربيع.. يالطيف يالطيف .. شو هاد.. يالطيف.. يحضناها ابو ربيع قائلا.. طولي بالك وصلي ع النبي.. حسبنا الله.. يالطيف..
يدوي انفجار آخر.. إنه صاروخ آخر.. ينبطح أبو ربيع وأم ربيع في "أرض الديار".. !! ينزل الصاروخ الثالث والرابع والخامس والسادس.. إلى أن تفقد أم ربيع وعيها.. ويفقد أبو ربيع اعصابه.. يتوقف القصف بالصواريخ.. يسمع أبو ربيع صوت طائرة الاستطلاع.. الطنانة..! يعلم أنها فرصة .. لكي يتحرك.. أو يفعل شيئا.. ينهض.. يصيح .. أم ربيع قومي .. الله يرضى عليكي.. لا تستجيب .. يكرر.. أم ربيع .. قومي ما عم تسمعيني.. قومي نفوت لجوا وقف القصف.. لا تستجيب..!! يقترب أبو ربيع من زوجته.. يلطمها على وجهها المصفر الغائب عن الوعي.. لا تستجيب..! يدخل بسرعة يجلب "قنينة" ماء.. يسكبها على وجهها .. ثم رأسها .. ثم صدرها.. ترتجف.. وتنتفض.. صارخةً شوفي .. شو صار.. !!
تمر أربع ساعات.. والعجوزان يسليان بعضهما.. لقد حان موعد اذان المغرب.. بينما تناول أم ربيع زوجها كأس الماء.. تنقض طائرة الميغ "المقاتلة"..! تطلق زخة طلقات من الرشاش الثقيل.. بعد قليل تعاود الكرة.. يتسائل العجوزان ما هو المصير.. كيف سيخرجان من وسط جهنم.. هناك قصف بالهاون على أماكن مجاورة.. وهناك اصوات انفجارات ضخمة في أماكن بعيدة نسبيا.. لا يعلم أيٌ منهما "كُنهها"..
تخطر في بال أبو ربيع قصة غرفة المونة..! يفاجئ زوجته قائلا.. قومي يا مرا.. انا رح شيل فرشة.. وانت شيلي حرامين.. ولحقيني ع غرفة المونة!! شو عم تحكي يازلمة.. تجيب أم ربيع مستغربةً.. لك كيف بدنا ننام بنص الفيران والجرادين..! يجيبها.. ما عم تسمعي أصوات القصف.. هلق اذا طب شي صاروخ ع البيت شو بدو يصير فينا.. عملي متل ما عم قلك.. أحسنلي وأحسنلك..! 
يستلقي العجوزان.. وسط "قطرميزات" الجبن والزينون.. وبالقرب من بعض الأخشاب المكسرة التي كانت في الماضي أبوابا وشبابيكا.. ارتفاع الغرفة أقل من مترين.. مساحتها لا تبلغ ثمانية امتار مربعة.. ليس فيها أي منفذ للهواء.. أنها مناسبة حتى للتحسب من السلاح الكيميائي..!
يطلع الصباح ومازالا يعدان القذائف والصواريخ التي تتساقط حولهما.. أم ربيع مازالت تكرر تلك الآيات القرآنية القليلة التي تحفظها.. أبو ربيع يُكرر نُطق الشهادتين مع كل إنفجار..!
يشق الضوء خطوطه الاولى.. يقوم أبو ربيع إلى غرفة الضيوف.. يفتح سحاب الطاولة.. يخرج عدة فواتير كهرباء وماء وهاتف.. دفتر العائلة .. يخرج إلى غرفة النوم.. يجد أم ربيع تجمع بعض الثياب.. يسألها.. وين المصاري.. تجاوبه.. هدول هنن طالعتهن.. تناوله خمسين الف ليرة سورية.. يدخرانها لوقت "الزنئة"..! ييعيد النقود لها قائلا.. حطيهن بعبك.. أأمن شي..! 
خرج الزوجان إلى الشارع.. يسيران مع جموع النازحين باتجاه الجنوب.. أملاً بدخول "الأحياء الأمنة".. أمنها المتجسد بعدم قصف الأسد لها بعد..!
يسيرون بين عناصر "الجيش الحر" الذين يبادلونهم نظرات الأسف.. الثوار آسفون لأنهم تسببوا بقصف بيوتهم وتهجيرهم منها.. والنازحون من القابون آسفون لأنهم لم يجدوا الحيلة لدعم قضية الثوار..!
يصل أبو ربيع وزوجتع وعشرات غيرهما إلى نهاية الشارع الاخير الذي يسيطر عليه الثوار.. الخطوات التالية ستكون في خط النار.. وصولا إلى حاجز البلدية.. الحاجز الأكبر لجيش النظام.. عبوره سيعني أنهم أصبحوا بأمان.. إلى حين..!
يشير لهم المجند.. بالتقدم يصلون.. يصرخ أحد الجنود.. ع المدرسة بسرعة يالله.. ما بدي شوف واحد براتها خلال دقيقتين.. هلق بنفتشكن وبتنقلعوا..!
يقف النازحون في باحة المدرسة المجاورة للحاجز.. دقيقة دقيقتين.. ساعة ساعتين.. يمضي الوقت.. يبدأون بالجلوس.. الشعور بالاعتقال بدأ بالتسلل إلى نفوسهم.. لقد عادوا إلى "سوريا الأسد"..! بعد غربة.. سنة ونيف.. في أرضٍ خارجة عن سلطة الأسد.. بعد اربعة ساعات.. يدخل ضابط .. وستة عناصر وشبيحتان باحة المدرسة..! يصيح الضابط.. النسوان والولاد طرف والرجال ع طرف.. كل واحد هويتو بأيدو.. يالله .. وجك ع الحيط أنت وياه.. يتحرك الجمع ببطئ.. يطق عنصر رشقة طلقات بالهواء.. يتحرك الجمع بسرعة اكبر..!
يبدأ التفتيش.. النقود .. فواتير الكهرباء والهاتف والماء.. كلها تُصادر.. يجادل أحد الرجال.. عندما يسحب المجند النقود من محفظته.. يسحبه مجندان للخارج .. شحطا.. يخيم الصمت على الجميع.. يسأل أحدهم.. سيدي خليلنا الفواتير.. ! يقول الضابط.. مشان تروحوا تعملوا فيها نازحين يا عرصات.. خلي كلاب الجيش الحر يطعموكن..! اللي بيحكي كلمة بعدها بياكل طلقة بقفا راسو.. 
يصل الدور عند أم ربيع.. تفتشها تلك المتصابية ذات الاربعين عاما والتي تلبس البدلة العسكرية.. تسألها.. معك مصاري.. تسكت ام ربيع.. تقول .. طالعيهن بسرعة.. تواصل أم ربيع صمتها.. تقول المتصابية.. انتو الشاميات بتخبوا بعبكن.. تعي لهون.. تمد يدها إلى صدرها وتخرج رزمة النقود.. ينظر أبو ربيع من بعيد.. يركض باتجاه المتصابيه.. يصيح أحد المجندين وقف محلك ولاااك.. لا يقف أبو ربيع.. يطلق المجند عدة رصاصات بإتجاه جسد أبو ربيع النحيل..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق