الثلاثاء، 9 يوليو 2013

السياسية الايرانية وارتكازها على نظرية ولي الفقيه التى تسيس عموم المجتمع الايراني على كافية الاصعدة

دراسة في فلسفة السياسة الايرانية من وجهة الدين الرافضي الاثني عشري
 
 
تمهيد
تعاملت حكومات الخليج مع السياسات الإيرانية -منذ الدولة الصفوية-على أنها إحدى أهم المُقلقات الإقليمية؛ نظرا لأسباب إستراتيجية جوهرية، وأبعاد تُحدّدُ حجمَ وحقيقةَ ذاك القلق، من أهمها البُعد العقائدي "الصفوي" للدور الإيراني في الهيمنة على المنطقة؛ وما مشروع تصدير الثورة إلا ذراعٌ سياسيٌ يَصبُّ في مصلحة النظام، برصيدٍ تاريخي محفز لمشروع نهضة الإمبراطورية الفارسية الشيعية، بتكتيكات سياسية مصلحية، تتحرك بدرجة عالية من البراغماتية الذكية بين الطموح الشعوبي، والتهديد الدولي الفاعل في المنطقة.
إن إيران اليوم دولة ذات مشروع عالمي تبشيري لا يخفى، يمتد من أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأقصى، لكن عينها الدائبة مصوَّبة إلى قلب الجغرافية الإسلامية (الجزيرة العربية)، ويمكن فهم الخط العام للسياسية الإيرانية التاريخية لهذه المنطقة الحيوية من العالم من خطاب رئيس الوزراء الإيراني حلنجي ميرزا لوزير الخارجية البريطاني آنذاك (لابردين)، عندما اعترضت إيران رسميا عام (1237هـ/1822م) على عقد بريطانيا سلسلة اتفاقيات مع حاكم البحرين آنذاك الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة[1]؛ بحكم أن البحرين تابعة لإيران، ثم طالبت إيران بنفوذها السياسي على البحرين، فردَّ وزير الخارجية البريطاني بنفي أي أحقية لإيران على الأرخبيل، بله على الخليج كله، فأجابه رئيس وزراء إيران بمذكرة تُعدُّ مفتاح فهم السياسة الإيرانية على واقعها في المنطقة، قائلا: "إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة، أن الخليج الفارسي من بداية شط العرب إلى مسقط، بجميع جزائره وموانئه بدون استثناء، ينتهي إلى فارس، بدليل أنه خليج فارسي وليس عربيا".
وما يواجه النخبة والعامة في فهم أبعاد اللعبة الفارسية هو التجزيء وتشرذم الفهم لكامل الصورة على الخريطة الخليجية؛ إذ يعتقد البعضُ أن مفتاحَ الفهم كله يَكمُن في الجانب العقائدي، ويُركز عليه بحثه ومن ثَمَّ معركته المضادة، في حين يعتقد آخرون –وهم الأكثر-أن المسألة لا تعدو تصارع مصالح سياسية، ويَنسى بعضهم أن نظام الجمهورية الإيرانية متعدد المراكز، وكلا الطرفين (العقائدي والمصالحي) يأخذ ما يُعزز وجهته من التاريخ الفارسي الحديث، وتحديدا الصفوي.
والحقيقة أنه لا يمكن مشاهدة الصورة مجزَّأة على هذا النحو الانتقائي، بل الأجدى أن تُنظر كلها بأطرها الشمولية وأبعادها الكُلّية، ضمن المسارات التاريخية للوضع الفارسي المُختَزِن بتقلبات سياسية، والمُشرَب بتلاوين العقائد والإثنيات والطوائف، فالمسألة الفارسية لصيقة بتاريخ المنطقة، والتصارع العربي الفارسي يمتد إلى العصر الجاهلي، والاصطفاف مع الفرس أو ضدهم مسألة تسبق الوجود الإسلامي، الذي له حُكم صريحٌ في المسألة الشُّعُوبية، وهي القضية الكبرى التي فتتت الكيان الفارسي قديما، وأعادت تجميعَه لاحقا، واليوم تُعيد لُحمته وتعملُ في تفكيك خصومه من الأحلاف العربية.
 
الميلاد الصفوي
يعتقد الباحثون أن امتداد الطموح الإمبراطوري الفارسي الحالي يعود إلى العصر الساساني، إلى أن أحدث إسماعيل شاه الصفوي[2]بتحويل "ولاية الفقيه" من حيّز الفكر الفقهي الجزئي إلى حيّز العمل السياسي الإستراتيجي، وحقيقتها (ولاية الفقيه) أنها منصبٌ إلهي أُنيطَ بالإمام كخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، "وبما أن الإمام حيٌّ ولكنه غائب عن الأنظار، ولم يفقد سلطته الإلهية بسبب غيبته، فإن هذه السلطةَ تنتقل منه إلى نُوّابه؛ لأن النائبَ يقومُ مَقامَ المَنُوبِ عنه في كل شيء..."[3] يَعُدُّه موسى الموسوي المرحلةَ الثانيةَ في مسيرة بلورَة التشيُّع بصورته الحالية؛ إذ إن إسماعيل شاه هو مَن أعلنَ التشيُّعَ الصُّوفي مَذهبا رسميا لبلاده لأسبابٍ سياسية بحتةٍ تتعلق بتوسع الدولة الصفويةِ وصراعها ضد الدولة العثمانية ذات الهوية الصوفية السُّنية الحنفية، فتحرّكتْ جحافلُ جيوشهِ في المدن الفارسية تحثُّ أهلها على الدخول في المذهب الشيعي، وأَعمَلَ السيفَ في رقابِ مَن لم يُعلن تشيُّعَه[4]؛ فأعطى المذهبُ الجديدُ الذي أملاه الشاه على الشعب الإيراني تماسكا قويا للعجم، وحررهم من عقدة التبعية للمغول: الغزاة البوذيين القساة، فقضى على كل الآمال التي كانت تراود الخليفة العثماني لضم إيران إلى خلافته، في حين كان الشاه يرى نفسَه قُطبا صُوفيا ومَلكا تُركُمَانيا أسس للشيعة مَجدًا لم يُؤَسِّس أحدٌ مِثلَه من قبل، إلا أنه خضع لولاية الفقيه، وطلب من كبير علماء الشيعة بجبل عامل اللبناني علي بن عبد العال الكركي العامِلي، أن يُحكِمَ له دعائمَ السياسة والملك، ويُجيزَه الجلوسَ على كرسي الملك والحكم باسم "الولاية العامة" التي هي من صلاحيات الفقيه، وما زالت كتب التاريخ تحتفظ بالنصوص الواردة في إجازة الكركي للشاه.[5] ، وهو ما (907هـ/1501م) نقلةً نوعية على المستويات السياسية والعقائدية والفقهية على أرض فارس كلها؛
ومنذ أن أدخل الشاه إسماعيل الصفوي العَجَم كُلهم في المذهبِ الشيعي وحتى كتابةِ هذه السطور، فإن للزعامة المذهبيةِ الشيعية نفوذا واسعا وكبيرا في إيران، ويحظى باحترام عظيم من قبل الملوك والحكام، وعلى الرغم من أن العلاقات بين الزعامة المذهبية والزعامة السياسية كانت على خير ما يرام عبر التاريخ، إلا أنه كان يَحدث في بعض الأحيان صراعٌ بينهما ينتهي بانتصار أحدهما على الآخر؛ لكن منذ أن جعل الشاه إسماعيل من "ولايةَ الفقية" منصبا يَعلو على مقام الشاه وكلِّ المناصب الأخرى، لم يَحدث قطُّ أن فقيها من فقهاء الشيعة رشّح نفسه للحكم مباشرة، فرسخ بتلك الحركة الذكية عُرفا قوميا، ونهجا سياسيا للعجم، أوقف به التنافس على زعامة القبيلة الآق قيونلي التي ينتمي إليها، كما أوقف ثقافة استلاب الحكم بالانتصارات العسكرية المنتشرة بين قبائل الغزاة التركمان؛ ولتدعيم أركان هذا العُرف وترسيخ نهجه في الأمة الفارسية كلها انقلبت إمبراطوريته إلى إستراتيجية القوةِ في الدعوة إلى التشييع الديموغرافي وفرض وجودٍ مذهبي على حساب المذاهب الأخرى المنتشرة في أرجاء إيران آنذاك، وبقيت هذه المنهجية حتى بعد اختطاف المرجعية العربية في النجف، وإعادة تأهيل الفكر والمجتمع الشيعي فارسيا.
والحقيقة أن هذه الإستراتيجية التي وضعت المنصب الديني في رتبة متقدمة على المنصب السياسي، هي التي ضمنت استمرارية أجندة التشيُّع بصِيغته الفارسية الصفوية، فتعاقبت الحكومات السياسية -يمينا ويسارا-بروحها؛ إذ السلطة الفعلية على الضمير الجماعي للشعب الإيراني بيد مؤسسة المرجع الأعلى؛ التي تتخذ من قُم عاصمة لها، وهي الإستراتيجية التي أتت حديثا بالثورة الخمينية إلى سدة الحكم وإعادة الصفوية الجديدة بعد قرون مضت.[6]
 
الجمهورية الإسلامية الصفوية
ترى إيران أن لها دورا محوريا اليوم في "ملء فراغ" الساحة الخليجية سياسيا وعسكريا، لكنها تختلف عن غيرها (القومية) لأنها تملك مشروعا عقائديا عالميا، يحمل تفويضا أخلاقيا يسمح لها بالتمدد الجغرافي أكثر من أي وقت مَضى؛ ذلك لغرض إقامة خلافةٍ جاهزة لمَقدَم "الغائب الحجة" -بعد سقوط حاجز صد صدام حُسين العُرُوبي البعثي-عبر أيديولوجيا "ولاية الفقيه"، بدعوى نيابة الإمام المهدي في عصر الغيبة الكبرى.[7]
وظّفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فكرة "ولاية الفقيه" في بناء سلطتين متوازيتين في حكم البلاد، واستنسخت إرث الدولة الصفوية فكريا ومُؤسَّسيا، هما سلطة "الثورة" وسلطة "الدولة"؛ إذ تأتي في القمة سلطة الثورة الدينية في منصب المرشد الديني الأعلى (ويشغله حاليا السيد علي خامنئي)، التي كان يمثلها الشيخ علي الكركي العاملي، وبعدها سلطة الدولة المدنية في منصب رئيس الجمهورية (يشغله محمود أحمدي نجاد حاليا)، التي كان يمثلها الشاه عباس، ويسري هذا النظام على جميع مؤسسات الحُكم[8]؛ وعلى هذه القاعدة تُجيد إيران الانتقال السريع ما بين الديني (الثورة) والسياسي (الدولة) بأسلوب مُحترف، واضعة المصالح المذهبية والشعوبية فوق أي اعتبار، فيَعملون في الموقعَيْن: موقع الثورة (المرجع الأعلى) وموقع الدولة (الرئيس)، ويتم تبادل الأدوار والمسؤوليات في كل القضايا السياسية والدينية بشكل يَصعب معه معرفة من يأتي قبل الآخر، وهي في النهاية ازدواجية في المَسكِ بزمام الحُكم الإلهي المطلق والحكم السياسي المطلق في كل ما يخص الشعب الإيراني، بل الجماهير الشيعية التابعة لهذا النظام في مختلف بلدان العالم.[9]
ويجب ألا يغيب مَلحظٌ مُهمٌ في دراسة العلاقةِ الخليجية الإيرانية على ضفتي بحر الخليج، وهي أن الدول التي تعاقبت على إرث دولة الآق قيونلي الصفوية -الأفشارية[10] (1736-1796م) والقاجارية[11] (1796-1925م) والبهلوية[12] (1925-1979م)-لم تكن استثاءً من الأجندة الصفوية الرامية إلى ترسيخ نفوذها وخدمة إستراتيجيتها العسكرية وإثبات تفوقها على دول المنطقة؛ لثلاثة عوامل أساسية.
أولها: أن الدول التي ورثت الحكم الصفوي كان بمثابة إعادة تَمَوضُع للقوى في مؤسسة الحكم الإيراني، فالأفشاريون والقاجاريون -وكذلك الآق قيونليين -قبائل من الغزاة التركمان، وقد أسسوا مملكة عريضة مهابة طيلة قرون، وسيكون من الصعب أن تذهب تضحياتهم سُدًى بعد ما تحضروا وبنوا لهم مجدا تليدا ينافس مجد إمبراطورية التركمان العثمانية، صاحبة الخلافة على الأمة الإسلامية.[13]
أما العامل الآخر فهو النزعة الشُّعوبية الاستعلائية المتأصلة عند العجم ضد العرب[14].
والعامل الثالث الأيديولوجيا الوظيفية المتمثلة بمذهب "ولاية الفقيه" الشيعية كعقيدة وظيفية مُمَهّدة لمقدم المهدي، وإن كان هذا العامل يخضع لدرجة تديُّن مؤسسة الحكم بالدرجة الأولى، ومدى استشعارها بالحاجة للدين لتدعيم أركان ملكها.
فحكم نادر شاه مثلا لم يكن مَعنيا بنشر المذهب الشيعي بالرؤية الصفوية في المقام الأول بقدر بسطه النفوذ البحري على الخليج، وهي نقطة ضعف الإمبراطورية الصفوية منذ تأسيسها، فاستفتح حُكمه[15] بطلب سفينتين حربيتين من الشركتين الهولندية والإنجليزية من "بندر عباس" لتأسيس أسطوله البحري، وبسط سيطرته على سواحل بلاد فارس الشمالية والجنوبية والهيمنة على القبائل العربية في كلا الساحلين الشرقي والغربي، وتحقيق سياسة التوسع في بلاد الخليج باحتلال كلٍّ من عُمان والبحرين والبصرة، وقد وافق الهولنديون على طلبه لأهداف عجزَ الهولنديون من تحقيقها لوحدهم في جزر الخليج على الضفة الغربية. [16]
وعلى الرغم من أن الدولة البهلوية كانت علمانية تَحَرُّرية، لكنها وظّفت الدينَ لمراميها السياسية، وأهدافها الشعوبية؛ إذ كان الموقف التقليدي لسياسة إيران مَطلع القرن العشرين[17]، وخاصة مرحلة محمد رضا بهلوي -كدولة شيعية وريثة للدولة القاجارية-مقاومة أي دولة عربية تتخذ من توحيد الساحل العربي هدفا لها، سواء كان ذلك في حدود بحر الخليج أو أي دولة من دول الجوار.
الاختلاف الوحيد والبارز الذي حصل في تلك الفترة هو اختلاف المنطق الكلاسيكي الإيراني بشأن الإرث التاريخي مع دول المنطقة، والحقوق القانونية المكتسبة، وإن كانت تُصدر بين الفينة والأخرى في بعض الخطابات السياسية كتكتيك سياسي، وتلويح بالعصا -إن لم تنفع الجزرة مع دول المنطقة-كالادعاء بأحقيتها في إمارة البحرين السُّنية.[18]
وقد أعطى إعلان الانسحاب البريطاني من المنطقة (1968-1971م) الفرصة الذهبية للشاه للعب دور الشرطي لملء الفراغ الذي سيُحدثه البريطانيون، وتسويقِ نفسه على أنه الضامن الحقيقي لأمن منابع النفط التي أصبحت تشكّل ثقلا واضحا لدى القوّتين العالميتين (أمريكا وروسيا)، إلى جانب أمن إسرائيل، التي كانت تخوض صراع وجود مع الجمهوريات الثورية العروبية، وقد اتخذت - بسبيل فرض الأمر الواقع-تحركات عسكرية في بحر الخليج، أثمرت عن احتلال بعض الجزر الراقدة قبالة بحر الإمارات المتصالحة: طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى.[19]
الحقيقة الظاهرة اليوم أنه لم يكن في وارد جمهورية الثورة الإيرانية إعادة الحقوق إلى أصحابها، أو إقامة وحدة إسلامية بالمفهوم الكلاسيكي الذي يَحتضن الأمة كلها دون تمييز، بل رسَّخت الثورةُ الخمينية[20] المبدأ الشعوبي في المنطقة، وصنعت بنفسها ظاهرةَ التَّخندُق الطائفي المعاصر، وأكسبت نفسَها حقَّ الاحتفاظ بالإرث البهلوي، الذي ثار عليه الملالي أنفسهم، وهي اليوم تبني على مكاسبه السياسية، بعد أن تواءمت مع تلك الحِقَب المتتالية من الإرث التركماني، وأعادت تشكيله ليصبح "ظاهرةً صفوية" جديدة يُعاد بَعثها.
إن الأبعاد الإستراتيجية للسياسة الإيرانية في المنطقة تتكشف بمعرفة مُحدداتها العقائدية والتاريخية والمصلحية، فالانتقائية أو التفرد بفهم بُعدٍ دون آخر كفيلٌ بإنقاص استيعاب الفهم الشمولي للمسألة الفارسية وأطماعها في الهيمنة على المنطقة.
 
محركات السياسة الفارسية
أولا: البُعد الإستراتيجي العقائدي
 
عند الدراسة المتعمقة لعقيدة المذهب الصفوي الشيعي يلاحَظ الميل إلى "القَدَريّة"[21]، التي تؤمن بأن القَدَرَ ما هو إلا صناعةُ الإنسان، الأمر الذي يُحدد النظرةَ لله وللكون، فهو (الله) لا يقبلُ مُجرَّد النطق بالشهادتين والاعتقاد بإله واحد لا شريك له، بل لابد من آل بيت النبوة كأولياء، ومن ثم فكل ما هو مُهمٌ عنده يَتَمَحوَر حَول آل البيت في البدء والختام، وبحُكم أن البداية كان ظالمة لآل البيت، فالمنطق "القَدَري" يُحتّم أن تكون النهاية عادلة، ويتمظهر ذلك في دولة "الغائب" المنتظر، التي ستُغيّر موازين القوى لصالح الخير، وتهزم كل الشر، المُتَمظِهر في اليهود و"النَّوَاصِب"، وبهذا يُمكن فهمُ هذا البُعد في إطاره السياسي، الذي يُمكن أن نُطلقَ عليه "العقيدة الوظيفية"؛ إذ تراها ترتكز على أسطورتَي مقتل الإمام الحسين وظهور المهدي المنتظر.[22]
في الركيزة الأولى يجتمع التيار الفارسي الصفوي (الأصولي) مع التيار الجعفري العربي (الإخباري) في إبقاء جذوة أسطورة مقتل الإمام الحسين (رضي الله عنه) كمادة تحشيد اجتماعية، بغرض استنزاف العاطفة الجمعية، لكنهما يختلفان في منهجية التوظيف؛ إذ تكتفي المدرسة الثانية (الإخبارية العربية) بإبقاء العاطفة، وتتقدم عليها الأولى (الأصولية الفارسية) بتوظيفها في أجندة سياسية أيديولوجية، في مُقاربة مَلحَمية من "آلام المسيح" أو "الهولوكوست" اليهودي، تُغذّي الضميرَ الجماعيَ نحو هدفٍ مُوحَّد؛ فيظهر جليا أن جوهر الشعائر السنوية الحُسينية هو صناعة "العدو" (الخصم/الآخر/الناصبي) الظالم اللَّعين؛ فتلتهبُ مشاعر الشيعة حُزنا على "البطلالضحية"، الذي ضحَّى مُختارا بنفسه لأجل شيعته، ومن ثمَّ يَعِدُ بالجنة كلَّ من بكى عليه وتألم لأجله، أو دعا -لنفسه وذريته من بعده-بأنيكون من الجنود الذين ينتقمون من "الآخر" تحت راية المُنتَقِم المنتظر "المهدي"؛ الذيهو القائد الأعلى للقوات المسلحة فيُحيي قَتَلةَ الحسين من مراقدهم، ويقتل العربَ ويصُلبُ الخونة الأوائل (الصحابة) وأبناءَ العرب!!
لقد أخذت هذهالأساطير والقصص والرؤى تُغذي العقلَ الشيعي -عبر أجيال-بكراهية قاتل الحسين (رضي الله عنه)، وظلَّ الضمير الشيعي يتغذى بالانتقام والكراهية كُلما مرَّ به طيفُ الحسين صَريعا في كربلاء، مقطوعَ الرأس قتيلَ الأبناء، فتَنضَحُ المشاعر بـ "آلام عاشوراء" المُصطَنعة؛ إذ ليس هدفُ الصُّنّاع الكبار لهذه الملحمة التكفيرَ عن خيانةِ الحسين أو جمعَ شتات الأمة من بعده، كما نهج إمامهم الثاني أخوه الحسن (رضوان الله عليهما) الذي حقن حمَّام الدم المتدفق من أرض الفتن والشقاق والنفاق.[23] 
جعل الصفويون الفرس التركيز على المسائل الخلافية أحدَ أهم المناهج التربوية لمذهبهم الأيديولوجي، فعملوا على إظهار أهل السُّنة بمظهر المعادي لآل البيت وإطلاق تسميات "النواصب" و "المُعادون" و "الوهابيون" (بعد المرحلة السعودية)، فيَتَغَذَّى بها الشيعيُّ منذ نعومةِ أظافره، فينشأ مُقتنعا أن السُّنيَّ هو عَدُوُّه الأول، من خلال استماعه للخطب واللطميات (التي أصبحت على هيئة أناشيد تصدح في آذانهم صباح مساء خلال مناشط حياتهم)، والتي تُقدَّم له في المناسبات المتعددة التي ابتدعها الصفويين لنشر ثقافتهم وترسيخها في أذهان أتباعهم، فعلى الرغم من اختلاف هذه المناسبات إلا أن الخطابَ فِيهن واحدٌ[24]، لا يُتلى فيها قرآن ولا يقرأ خلالها حديث، ولا تُبرز عظمة الحضارة الإسلامية التي أنارت عقول العالم.[25]
ولبقاء جذوة الأسطورة مشتعلة على مدار العام قسَّموا المناسبات إلى شقين: الأول للأفراح، والآخر للأحزان، فأما مناسبات الفرح فأبرزها "عيد الغدير"[26]، وهي مناسبةُ تنصيب علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) خليفةً على المسلمين من بَعدِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أما المناسبة الأخرى فهي "فرحة الزهراء"، في يوم مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) على يد فيروز أبو لؤلوة المجوسي[27]، إضافة إلى أعياد مواليد الأئمة الاثنى عشر على مدار العام.
أما المناسبات الحزينة فمن أهمها عَشرَةُ عاشوراء: الحكايةُ الملحميةُ لمقتل الإمام الحسين في وقعة كربلاء، ووفاةُ السيدة فاطمة الزهراء (رضوان الله عليهما)، وهي قصة ملحمية أخرى، إضافة إلى وفياتِ الأئمة الاثنى عشر على مدار السنة.[28]  
هذه هي الركيزة الأولى في هذا البعد العقائدي الوظيفي، وتكمِّلها ركيزةٌ لا تقل عنها أهمية وهي عقيدة رجعة "المهدي المنتظر"، وتختلف المدرستان الجعفريتان "الأصولية" و "الإخبارية" أيضا في توظيف هذه العقيدة؛ إذ ترى المدرسة "الإخبارية" ضرورةَ انتظار خروج "المهدي" لبدء التحرُّك، وأي تحرك قبله باطل، في حين ابتكرت "الأصولية" حُزمة إجراءات أيديولوجية وظيفية تساعدها على المُضيِّ قُدُما في تهيئة الظروف الملائمة لخروج "المهدي"؛ وبعبارة أدق: مُساعدة القدر لدفع المهدي للخروج من غيبته.
تَنبَني عقيدة "المهدي المنتظر" –في صورتها المُبسَّطة-على أصل "عقلي" مفادُه أنه لابد من إمام يَخلُف النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة؛ تكون له صلاحية النبوة من طاعةٍ وتشريع؛ مُنصوصٌ عليه شرعا؛ فالإمامة عند الشيعة أمرٌ ربّاني نصَّت عليه النبوة، والخِيرَةُ وقعت على "علي بن أبي طالب" في خلافة مقام النبوة، ومن ثمَّ ساقوا الإمامة في ذريته، مُنتَقِلةً منه إلى ابنه الحَسَن فالحسين.
والواقع أن الإمامة انتقلت في ذرية الحسين فقط، حتى الحَسَن العسكري (الإمام الحادي عشر): الذي مات دون أن يُعَقّبَ ولدا؛ فتسببتْ وفاته في مأزق حقيقي، تفرقت على إثره آراء الشيعة الإثنا عشرية، فرجع بعضهم إلى جماعة السُّنة، وزعم بعضهم أن للحسن العسكري ولدا أخفاه في سرداب[29]؛ وعليه لا يَصِحُّ عند الشيعة -أصولية وإخبارية-إيمانُ المَرءِ، ما لم يُؤمن بتلك السلسلةِ من أوَّلها (ولاية علي بن أبي طالب لشيعته) إلى آخرها (عهد المهدي المنتظر المُخلِّص)، فالمسألة على هذا فاصلة بين الإيمان من عدمه، وقبول الأعمال الشرعية وردها، كما يؤمنون -تبعا لذلك-بما سيفعله "المهدي المنتظر" بعد خروجه وظهوره[30]؛ ولهذا ابتدعت الأصوليون -للخروج من وَرطة تَوَقُّف "الإخبارية" عن المضي قدما في التهيئة لخروج المهدي-عقيدة "ولاية الفقيه" المثيرة للجدل الديني الشيعي الشيعي، ومَضَت في عمليةِ هَيمَنةٍ على المرجعيةِ العربية العالمية للشيعة، واختطافها من النجف (العلوي) إلى قُم (الصفوي)، وسَلبِ لسانِ المرجعية العربي إلى اللسان الفارسي.
والحديث عن مَرحلةِ خروج "المهدي" يُلزم بالحديثَ عن "العراق": عاصمة خلافته، وخاصة عراق هذا الزمان، وبالأخص عَهد نظام صدام حسين، وبه تُقرأ وتُفسر فرحة الشيعة -مُنقطعةَ النظير-بإعدام "السُفياني"؛ فمقتلُه عقيدةٌ مُكمِّلة لعصر ظهور "المهدي المنتظر"، الذي تُمثل العراقُ قاعدةَ دولته ومنطلق خلافته؛ إذ يَفتتحُ حُروبَه بمقارعة "السُّفياني" رَمزِ حُكمِ أهل السنة[31]، وعلى الرغم من أن النبوءة لم تكن على هذه الصورة الحَرفية لسيناريو اللقاء السفياني المهدوي، إلا أنهم اعتبروا أن "جيش المهدي" بقيادة مُقتدى الصدر جيشا حقيقيا مُمثلا لشخص المهدي ومُهيّئا لظهوره القريب؛ وبهذا يُفهم وَصف المرجع علي السيستاني يوم إعدام صدام حسين بأنه "مبارك"، وأنه "يوم عظيم في حياة شيعة أهل البيت"، كما نقله موقعه الإلكتروني ووكالات الأنباء العالمية؛ وسبب صيحات مُنفذي عملية الإعدام المتكررة في أثناء تعليق الرئيس العراقي على حبل المشنقة صبيحة عيد الأضحى: "مُقتدى.. مُقتدى.. مُقتدى.."، وقد سارعت صحيفة "إشراق" العراقيةُ -التي تصدر من الكوفة-في الثناء على مقتدى الصدر قائدِ ميلشيا جيش المهدي، قائلة: "إنه قدَّم صدام حسين كأضحية أول أيام العيد للشيعة في مختلف أنحاء العالم، واستطاع أن يهزمَ وحده الدول السُّنيّة بالضربة القاضية".
وبذات النَّفَس عبَّرت بعض الصحف الإيرانية والعراقية عن هذه العقيدة؛ فيقول صفي الدين آتاور في مقال نشرته صحيفة "هَمشَري" الإيرانية بُعَيدَ أيام من إعدام الرئيس العراقي: "كان لابد من إعدام صدام حسين في عيد الأضحى، ليرتدي السُّنةُ ثوب الحِدَاد الأسود، ويدخلَ الحُزنُ قلوبَهم، وليعلموا أن الظلامَ أوشكَ على دخول بيوتهم، وأن الفجرَ باتَ يلوحُ في الأفق لدُوَلٍ ذاقت الظُّلمَ لسنواتٍ طويلة"..
قد يرى البعضُ في هذه القصص "خيالات" لا تستحق أن يُحكم على العجم بها، غير أن الأمر ليس كذلك إذا عُلِمَ أن تلك "العقيدة" توجبُ على أتباعها الإعدادَ لظهورهِ وتمهيد الطريق لدولته؛ إذ "المهدي" لن يَخرُجَ ما لم تتهيأ الظروف، يقول علي كوراني العاملي: "تتفق مصادر الحديث الشيعية والسُّنية حول المهدي (ع) على أنه يَظهر بعد حركةٍ تمهيدية له، وعلى أن أصحاب الرايات السود من إيران يمهدون لدولته ويوطئون له سلطانه..." [32]، ويعلق على ذلك بالقول: "مهما قال القائلون في تقييم الثورة الإيرانية سياسيا، فإن المتفقَ عليه أنها من ناحيةٍ عَقِيديةٍ حركةٌ مُمَهِّدةٌ للإمام المهدي (ع).
في إيران تشعر أن حضور المهدي المنتظر (ع) هو الحضور الأكبر من الثورة وقادتها، فهو القائد الحقيقي للثورة والدولة؛ الذي يَذكر اسمه قادة الثورة والدولة باحترام وتقديس، فيقولون: أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، وإنما البلد بلده، وغاية ما نرجوه أن نسلِّم البلد إلى صاحبه الأصلي (ع). وفي ضمائر الناس في إيران وشعاراتهم، وأسماء أبنائهم ومؤسساتهم وشوارعهم ومحالّهم التجارية.. الإمام المهدي (ع) هو السيد الحاضر بقدسية، وفي ضمير المقاتلين في إيران ولبنان، الذي يذوبون إليه شوقا ودموعا، ويرونه في منامهم، ويرون ملائكته في يقظتهم، ويستشرفونه بأرواحهم...".[33]
ويقول في موطن آخر من كتاب عصر الظهور: "أما دولة المُمَهِّدين الإيرانيين فتقسم إلى مرحلتين متميزتين:
المرحلة الأولى: بداية حركتهم على يَدِ "رَجُلٍ من قُم"، ولعل حركته بداية أمرِ المهدي (ع)، حيث وَرَدَ أنه (سيبدأ مِن قِبَلِ المشرق)..
والمرحلة الثانية: ظهور الشَّخصِيَّتين الموعُودَتَين فيهم: الخراساني وقائد قواته، الذي تُسميهِ الأحاديثُ شعيب بن صالح"[34].. والكوراني لم يَجزم بأن "رَجُلَ قُم" هو الخميني قائد الثورة بل لمَّح إلى ذلك[35]، لكنه يميل إلى أن "الخراساني" هو المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، و"شعيب بن صالح" هو الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد[36]، وبذلك تكتمل الأسطورةُ المهدوية الخَلاصِية، وتُركَّبُ عليها عقيدةٌ دمويةٌ قِوامُها الدَّمُ ومَسرحها التصفيةُ (=حرب مَذهَبية) لكل مُخالف، وتمتلئ كتبُ القوم بأوامر لا لَبسَ فيها بقتل العرب (النواصب)، واستباحةِ بَيضَتهم، وتشتيت جمعهم قَبلَ أعداء الأمةِ التقليديين على مدار التاريخ.
 
في الحلقة الثانية سيكون الحديث عن " إستراتيجية تصدير الثورة "
 
 

[1]) تقاسم السلطة على حكم البحرين وقتها كل من الشيخ عبدالله بن أحمد حاكم جزيرة المحرق (قائد الأسطول الخليفي البحري)، وابن أخيه الشيخ خليفة بن سلمان حاكم جزيرة المنامة (قائد الخيالة).
[2]) أبو المظفر شاه إسماعيل الهادي الوالي، أو إسماعيل الصفوي (25 رجب 892 هـPedar Sukhtah/بدر سوخته" أي مَحروقي الوالدين؛ لأنهم سلالة الذين رفضوا التحول إلى الإثني عشرية الفارسية./25 يوليو 1487م =18 رجب 930 هـ/ 31 مايو 1524م) مؤسس الدولة الصفوية في إيران، القائد الديني الذي أسس الحكم للصفويين، وقام على تحويل إيران من أهل المذهب السُّني إلى الشيعة الإثنا عشرية، وقد أورد عدد من الباحثين صورا من وحشية القتل الجماعي لإرغامهم على التحول، حتى عُرف في التراث والفلكلور الإيراني المتناقل بالرواية لقب خاص لمن بقي من أبناء السنة، الذي رفض آباؤهم التحول، فأحرقهم الشاه بالنار حتى هلكوا، وعُرف اسم آخر للسنة في إيران هو "
[3]) د. موسى الموسوي: الشيعة والتصحيح، الصراع بين الشيعة والتشيع، صفحة 96 وما بعدها/ الزهراء للإعلام العربي-القاهرة. ط 2/1989م.
[4]) يعتقد بعض الباحثين نقلا عن الكتب التاريخية أن إسماعيل شاه قتل في سبيل نشر المذهب الشيعي قرابة المليون من أهل السُنّة في إيران والعراق.
[5]) يعدُّ علي بن عبد العال الكركي، المعروف بالمحقق الكركي أو المحقق الثاني، أبرز المهاجرين العامليين إلى إيران؛ حيث هاجر في السنوات الأولى لتأسيس الدولة الصفوية، وتبوأ فيها منزلة لا تدانيها منزلة، ووكله الشاه إسماعيل بوظائف كثيرة وجعل له مرتبا سنويا كبيرا ليصرفه في تحصيل العلوم، ويفرقه بين الطلاب والمشتغلين بالعلم، كما كان معظما مبجلا في جميع أرجاء بلاد إيران، نافذ الكلمة مطاعا، وعينه الشاه حاكما في الأمور الشرعية في عموم البلاد، وأعطاه فرمانا ملكيا بذلك، وقد بلغ شأنه في تحديد الوظائف والمراتب، حتى قيل: إن كل من يعزله الشيخ الكركي لا يُعيّن ثانية، وإن كل من ينصبه الشيخ لا يعزل بالمرة، وهو التسجيل الأول لشكل الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم، حيث الولي الفقيه أعلى مقاما من رئيس الجمهورية.
[6]) على الرغم من أن الدولتين الصفوية والعثمانية تعتمد نظام التصوف في بناء مؤسستيهما الدينية، إلا أن الدولة العثمانية عكست فعل الدولة الصفوية، بتقديم منصب السياسة على الدين؛ فأصبحت رهينة قوتها السياسية الخاضعة لعوامل التصارع الداخلي والخارجي، لا قوة الأيديولوجيا برصيدها الشعبي الأعم، ويتساءل الباحث كيف سيكون الوضع على المسرح الدولي اليوم لو أن العثمانيين استنسخوا عبقرية عباس شاه في تثبيت الأيديولوجيا بدل السلطان؟
[7]) هذه الفكرة بالمعنى الدقيق فكرة "حُلولية" دخلت الفكر الإسلامي من الفكر المسيحي القائل بأن الله تجسّد في المسيح، والمسيح تجسّد في الحَبر الأعظم، وفي عصر محاكم التفتيش في أسبانيا وإيطاليا وقِسم من فرنسا، كان البابا يحكم المسيحيين وغيرهم باسم السلطة الإلهية المطلقة، حيث كان يأمر بالإعدام والحرق والسجن، وكان حراسه يدخلون البيوت الآمنة ليل نهار ليعيثوا بأهلها فسادا ونُكرا، ونقل موسى الموسوي أن هذه البدعة أنكرها كثير من أعلام الشيعة على اعتبار أن "الولاية خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلّم والأئمة الاثنا عشر من بَعدُ، ولا تنتقل إلى نواب الإمام، وأن ولاية الفقيه لا تعني أكثر من ولاية القاضي الذي يستطيع تعيين أمين على وَقفٍ لا متولى له أو نَصبِ قَيِّم على مجنون أو قاصر". الشيعة والتصحيح/94
[8]) مثال: سلطة المجلس البرلماني مقابل سلطة مجلس تشخيص مصلحة النظام، وسلطة الجيش بمقابل سلطة الحرس الثوري.. وهكذا.
[9]) للتوسع في فهم هذه الأيديولوجيا السياسية تنظر كتابات أحمد الكاتب، وسميرة رجب، وصباح الموسوي، وعادل عبدالرؤوف، المتخصص في هذا المجال.
[10]) قبيلة تركمانية كانت تقطن شمال شرقي الأناضول، ثم دخلت كفصيل مهم في الجيش الصفوي، الذي يتحدر هو أيضا من أصول تركمانية.
[11]) ينحدر القاجار من إحدى قبائل القزلباش البدوية التركمانية أيضا، استطاع قائد القبيلة آغا محمد خان (1193-1211هـ/1779-1797م) أن يستولي على الحكم في بلاد فارس، وقضى على الأفشاريين في مشهد سنة 1796م.
[12]) قامت ثورة شعبية في طهران بسبب دخول القوات الكازاخية الموالية للشاه أحمد ميرزا (1909-1925م) إلى مبنى البرلمان، وقت كانت بلاد فارس منذ 1919 تحت الوصاية البريطانية؛ وتزامن ذلك ثورات شعبية في الجنوب قادها رجال الدين من الشيعة، وفي 1925م أعلن رئيس الوزراء (رضا بهلوي) خلع الشاه، وتنصيب نفسه شاها على إيران ليبدأ حكم سلالته التي لم تُعمّر بعد ابنه محمد.
[13]) يلاحظ أن الصفويين (الآق قيونلي) والأفشار والقاجار، كلها تتحدر من أصول تركمانية لها ارتباط عشائري قبلي بالعثمانيين التركمان الذي يتحدرون من عشيرة قايي، وهي من الأتراك الأوغوز، ومن هنا يلاحظ أن جزءا كبيرا من دوافع الاقتتال الصفوي العثماني له مُحفّزات قبلية، عَمِلَ المذهب المُغاير على إذكائها عسكريا وشعوبيا فقط، وليس على مستوى مؤسسة الحكم فيما يَظهر.
[14]) شارك العثمانيون التركمان الصفويين في هذه النزعة الشعوبية، حيث كانو بنظرون إلى العرب نظرة دونية، أثرت سلبا على مقام الخلافة، التي هي أساس وحدة الأمة الإسلامية وعزها، وخاصة في فترة الخلافة الأخيرة، فكانت فجوة استغلها الاستعمار العالمي، ودفعوا القيادات الطامحة للملك للدعوة إلى إعادة الخلافة للعرب، فكانت ثورة الشريف حسين، وما تبعها من مشروع تقسيم تركة دولة الخلافة في خطة سايكس بيكو الشهيرة في تاريخ المنطقة المعاصر. 
[15]) استمر حكم نادر شاه بن طهماسب الأفشاري مدة 11 عاما فقط (1148-1159هـ/1736-1747م)، لكن حضوره التاريخي كان بارزا لطموحه المتوثب لإعادة أمجاد الدولة الصفوية، وهذا يُفسر بروز اسم نادر شاه في أغلب الدراسات التاريخية التي تُعنى بتاريخ الخليج الحديث.
[16]) حفلت الوثائق الهولندية بأنباء المساعدات التي قدمت لنادر شاه من قبل الهولنديين، فوُجد عقد بين حاكم إقليم "فارستان" وممثل شركة الهند الشرقية الهولندية ينص على أن "تضع الشركة كامل أسطولها تحت تصرف نادر شاه، على أن تكون حكومة نادر شاه الأفشارية مسؤولة عن أي دمار تتعرض له سفن الأسطول، وأن يعمل الأسطول الهولندي على تعقب السفن العربية مقابل أن يجد الهولنديون تأييدا من قبل الحكومة للعمليات العسكرية التي يقومون بها ضد الدول المناوئة لهم في الخليج العربي، وبالفعل اشترك الفرس والهولنديون في محاولات ضرب الأسطول العماني وأسطول القواسم لكن محاولاتهم باءت بالفشل (1152هـ/1740م)؛ نظرا لبسالة طاقم الأسطولين، وثورة العرب الذين استخدمهم الأسطول الفارسي على قائد الأسطول، وانقلابهم عليه لأنه تحالف مع الصليبيين ضد العرب المسلمين. [محمود شاكر: موسوعة تاريخ الخليج العربي، 1/233 /دار أسامة للنشر والتوزيع- الأردن/2003].
[17]) استمر الحكم البهلوي من عام 1925-1979، تحت مسمى "المملكة الفارسية"، التي قضت عليها الثورة الخمينية.
[18]) يؤرخ بعض الباحثين بداية الادعاءات الإيرانية في البحرين على المستوى الدولي منذ (1237هـ/1822م)، عندما اعترضت إيران رسميا للوكيل البريطاني في بوشهر على عقد بريطانيا سلسلة اتفاقيات مع حاكم البحرين من آل خليفة؛ بحكم أن البحرين تابعة لإيران، ثم طالبت إيران بنفوذها السياسي على البحرين رسميا من الحكومة البريطانية، فرد وزير الخارجية البريطاني آنذاك (لابردين) بنفي أي أحقية لإيران على الأرخبيل، بله على الخليج كله، فأجابه رئيس وزراء إيران (حلنجي ميرزا) بمذكرة جاء فيها: "إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة أن الخليج الفارسي، من بداية شط العرب إلى مسقط، بجميع جزائره وموانئه بدون استثناء، ينتهي إلى فارس، بدليل أنه خليج فارسي وليس عربيا."، وتتباعت من بعده المطالبات على هذا النهج: أحقية إيران التاريخية والسياسية على بحر الخليج كله. [راجع: محمد سرور زين العابدين: أأيقاظ قومي أم نيام/ دار الجابرية، لندن/2007م].
[19]) أمل إبراهيم الزياني: علاقات المملكة العربية السعودية في النطاق الإقليمي، دراسة العلاقات السعودية الإيرانية وتطور موضوع الأمن في الخليج/ مطبعة دار التأليف/ 1989م، والبحرين بين الاستقلال السياسي والانطلاق الدولي، الفصل الثاني (ص131- 177)/ 1994م.
[20]) الخميني نسبة لمدينة "خمين" الصغيرة، التي تقع في الجنوب الغربي، على بعد 135 ميلا من أصفهان، واسمه مصطفى بن أحمد الموسوي (22ولد في سبتمبر 1902 – وتوفي في 3 يونيو 1989)، لقبه الرسمي بعد الثورة "آيه الله العظمى"، ويعدُّه البعض من أكثر الرجال تأثيرا في القرن العشرين، ووسمته مجلة التايم برجل العام للعام 1979، ترجع أصوله إلى مدينة كينتور بالهند، وعائلته تنتمي إلى أشراف مدينة نيسابور، التي تزعم أنها تتحدر من سلالة موسى الكاظم (الإمام السابع من الإثنا عشرية)، اعتقد فيه بعض الإيرانيين أنه الإمام الثاني عشر المنتظر "المهدي" وقد ظهر بعد احتجابه، وخاصة أن مولده يتزامن مع تاريخ ميلاد الزهراء فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، وألصق به لقب إمام لأول مرة الشاعر نعمت ميرزا زاده عام 1964، غير أنه لم يُنادَ به إلا عام 1977م بعد عودته إلى إيران قبيل الثورة، عندما أصبحت الحاجة ملحة لإعطائه لقب بديل عن "آية الله". [حامد ألجار: إيران والانقلاب الإسلامي، ص215/ طهران/ 1981م؛ وإدموند بيرك: الإسلام والسياسة والحركات الاجتماعية، ص413/ ترجمة محروس سليمان، مكتبة مدبولي- القاهرة/1999م]
[21]) يرى أصحاب هذا الاعتقاد أن كل فعل للإنسان هو إرادته المستقلة عن إرادة الله، حتى عُرف عن بعض غُلاتهم نفي علم الله أو قدرته على خلق أفعال العباد، فاشتُهر عن بعضهم (معبد بن خالد الجهني) القول: "لا قَدَرَ والأَمرُ أُنُفٌ"؛ ليخرج بهذا فعل الإنسان عن نطاق قدرة الخلاّق سبحانه، وأن علمه تعالى يأتي بعد وقوع الفعل، فيُستأنفُ القَدَرُ بعد العلم، وهذا ما يجعل الإنسان خالقا لفعله، وقد ناقش بعض المؤرخين سبب تسميتهم بـ"القدرية" على الرغم من إنكارهم "القدر" الذي هو ركن من أركان الإيمان، فقال قوم: إنهم نفوا القدر عن الخالق وأثبتوه للمخلوق؛ إذ جعلوا كل شيء لإرادة الإنسان وقدرته، فكأنما أعطوا الإنسان سلطانا على القدر، ويميل البعض إلى أن هذا الوصف ذكرهم به مخالفوهم لينطبق عليهم الأثر: "القدرية مجوس هذه الأمة"، ويعلل الشيخ مصطفى صبري (كبير علماء الدولة العثمانية) ذلك لمقاربته رأي القدرية لبعض عقائد المجوس، الذين ينسبون الخير إلى الإله والشر إلى الشيطان، لأن الإله لا يريد الشر. [للتوسع ينظر: محمد أبو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية/ دار الفكر العربي – القاهرة/ 1996م].
وتُعد مسألة "القدرية السياسية" قاسما مشتركا بين صنَّاع الحدث الدولي في منطقة ما يُسمى الشرق الأوسط، فالأمريكان البروتوستانت واليهود المتصهينون، إضافة إلى أتباع مذهب "ولاية الفقيه" الصفوية، يؤمنون بأن القدر لا يتحرك من نفسه، ولابد من تحرك المؤمنين بقدوم "المخلص/الماشيح/الغائب" للتمهيد لمقدمه ليقودهم إلى النصر والتمكين، وبسط دولتهم على العالم كله من ثَمَّ.
[22]) كان الخلاف محتدما بين المدرسة الأصولية ونظيرتها الإخبارية حتى كتبت الغلبة للأصولية مطلع القرن الثامن عشر؛ والخلاصة أن الإخبارية ادعت أن المؤمن لا يستطيع أن يفهم القرآن والحديث (النبي والأئمة) وليس في حاجة إلى إتباع إرشادات المجتهدين، وكل ما عليه هو التقليد والمتابعة، وهذا يقتضي توارث حق الاجتهاد، وعدم توسيع دائرته لبروز مجتهدين جدد.
وعلى العكس كانت المدرسة الأصولية، التي ترى أنه على الرغم من أن أسس الإيمان وردت في القرآن والأحاديث، لكن المؤمنين بحاجة للمجتهدين المتعلمين ليفسروا لهم العقيدة، وتطورت المدرستان، وخاصة العقيدة الأصولية على يد مرتضى الأنصاري، مرجع التقليد منتصف القرن التاسع عشر، وجعل الوجوب على كل مؤمن إتباع تعاليم أحد "المجتهدين" الأحياء، ومتى وجد مجتهد رئيسي واحد، فإن تعاليمه تحظى بالأولوية على تعاليم المجتهدين الآخرين، حتى أصبح "المجتهدون" مؤهلين لتفسير وصية الإمام الغائب المعصوم. وتمتع العلماء المجتهدون بنفوذ اجتماعي واقتصادي وسياسي يفوق الحاكم السياسي، وخاصة فترة حكم أسرة القاجار (1796-1925). [نيكي كيدي: الثورات الإيرانية من منظور مقارن، ص 471/مكتبة مدبولي- القاهرة/1999]
[23]) نقرأ في سيرة الإمام الحسين (رضي لله عنه) أنه كان يبكي يوم كربلاء حزنا على قاتليه الذين سوف يدخلون النار بسببه، وهذا قمة خُلُق وإنسانية آل بيت النبوة؛ في وقت يجعل مدعيّ حُب الحسين ذكرى مقتله وسيلةَ بغضاء وعداوة بين المسلمين المحبين للحسين؟!، إن الأمرُ له وجهٌ آخر يَختفي ويُعلن بحسبالظروف الزمانية أو المكانية، والمتأمل في تاريخ المسيرات اللطمية عبر التاريخ الإسلامي، يَجِدُ أنهاتُغذِّي الكراهية والحقد بين المسلمين، فما كانيحصل بين السنة والشيعة منذ عام 338 في بغداد، وما تلاه من أعوام متفرقة من القرن الخامس والسادس [يراجع تاريخ الذهبي وابن كثير في حوادث السنوات: 406/408/421/422/425/439/443/444/447/482/510]، ومن ثم القرون التالية وإلى الوقت الحالي، والتاريخ أكبر دليل على أن هذه المسيرات مِعوَلُ هدم لوحدة الأمة؛ وهي (الأمة) تسأل حين تسمع سنويا شعار "يا لثارات الحسين": مِمَّن ستكون ثارات الحسين وقد انقضى زمن الأمويين؟؟
[24]) قائم على سَبِّ العرب، والمسلمين وتكفير ولعن الصحابة بدعوى تحريفهم للوصية بالخلافة، وسُكُوتهم على مقتل أئمة الشيعة على يد الخلفاء الأمويين والعباسيين.
[25]) تعترف جمهورية إيران الإسلامية اليوم أن 90% من الشعب الإيراني لا يعرف قراءة القرآن، و70% منهم لا يعرفون مفاهيم الإسلام الضرورية، والغالبية من الإيرانيين لا يُصلي أصلا، بل الكثير منهم يفتخر بالمانوية والساسانية أكثر من افتخاره بمحمد وآل بيته رضي الله عنهم أجمعين.. ومن المفارقات أن واقعة كربلاء لم يُؤرخها الشيعة، حيث لم يكن آنذاك طائفة تُعرف بهذا الاسم، وإنما أرَّخها علماء أهل السنة والجماعة الكبار من أمثال ابن جرير الطبري -السني لا الشيعي-وغيره، ولو لم يكن هؤلاء العلماء مُحبّين للحسين لما دونوا مأساته وأفردوا لها فصولا في كتبهم، كما أن الملفت للنظر أنه في الأيام العاشورائية يُكثر الشيعة من قول "هيهات منا الذلة" المنسوب للحسين (رضوان الله عليه)، ويجعلونه في مقدمة الشعارات التي ترفع في هذه المناسبة، بمعنى عدم الرضوخ والذلة للغازي والمحتل والظالم للمسلمين، إلا أن هذا الشعار أصبح لا معنى له اليوم، فالغزاة يسرحون ويمرحون في ديار الإسلام، وهذه أضرحة آل بيت النبوة وحوزة النجف العلمية التي تتزعم مرجعيتها الشيعة في العالم وتسير مواكب اللطم وشق الرؤوس، نراها تُحاط بدبابات الغزاة الصليبيين الذين انتهكوا حرمة المقدسات الشيعية في العراق قبل غيرها، فأين إذن شعار "هيهات منا الذلة"وقد قبَّلت العمائم يد الجندي الأمريكي، وصلت على جثمانه وتحالفت معه لاحتلال مقر خلافة الإمام علي، ومكان واقعة كربلاء التي انطلقت منها كلمة ابنه الحسين (رضي الله عنهما)؟
[26]) نسبة إلى موقع غدير خُم: مَحَطِّ رِحَال الرسول صلى الله عليه وسلم عند عودته من حجة الوداع.
[27]) من المفارقات أن سيدة نساء الجنة فاطمة الزهراء رضي الله عنها توفيت قبل عمر بن الخطاب بأربعة عشر عاما، فقد توفيت بعد أبيها بستة أشهر!!
[28]) لعب دورَ الشرير في ملحمة مقتل الحسين عبدالله بن زيادُ بنُ أبيه وعمه يزيدُ بن معاوية، ولعب دور الشرير في وفاة فاطمة الزهراء عمر بن الخطاب، ومع كل إمام من أئمة آل البيت في المنظور الشيعي سيلعب خليفة من خلفاء الدولة العباسية دور الشرير فيها.
[29]) تقول الروايات: إنه دخل السرداب 260 هـ ولم يخرج حتى الآن، ويزعم آخرون أن المهدي يخرج بين الفينة والأخرى مترقبا يُطالع أحوال شيعته.
[30]) أوردت المصادر المعتمدة عند الشيعة الصورة النموذجية المتفق عليها عن دولة المهدي المنتظر، ووظيفته كخليفة أخير في سلالة بيت النبوة المعصومين على ما تقتضيه الرؤية الاثنى عشرية، فهي تتلخص فيما رواه المجلسي عن رواية المفضل بن عمر، الذي توجه إلى الإمام جعفر الصادق بأسئلة عن يوم القيامة وعلاماتها، والمهدي وعلامات ظهوره وتأسيس دولته، فأعلمه أن المهدي لم يكن حتى موت أبيه يرى غير أصدقائه والمؤمنين الصادقين، ولم يبق المهدي بسامراء حين اختفائه، بل انتقل إلى قصر صابر في المدينة، وبعد أن أقام هناك ست سنوات اختفى عام 266هـ عن الأنظار كلها، وأصبح يعيش بعدها في الخفاء.
عندما يذهب المهدي من قصر صابر إلى مكة يلتقى هناك بالملكين جبرائيل وميكائيل، ويعلن عندئذ أنه جاء ليحكم العالم؛ وبعدها يندفع إليه الصحابة (313) مثل العدد الذي وقف إلى جانب النبي في معركة بدر، ويظهر كذلك الحسين بن علي شهيد كربلاء في الميدان مع (12000) من المؤمنين، ويتردد نداء المهدي في جميع أنحاء المعمورة فيجتمع الناس كلهم؛ فيأمر بهدم المسجد الحرام في مكة باستثناء أسسه التي شيدها إبراهيم وإسماعيل، وبعدها يأمر ببناء المسجد حسب الخطة القديمة التي أمر الله بها. 
بعد أن يتولى المهدي الحكم في مكة ينتقل إلى فتح العالم، ثم ينتقل من مكة إلى المدينة لزيارة قبر جده النبي، وهناك يَدُله الناس على قبرَي الخليفتين الأوليين إلى جانب قبر الرسول، فيأمر باستخراج الجُثتين وتعليقهما في شجرة يابسة، ولكن المَيّتَين سيكونان كما لو أنهما وُضعا في القبر الآن، وتخضرَّ الشجرةُ الميتة فجأة على نحو رائع، ويعتبر المشاهدون الحدثَ بمثابة معجزة كبرى، فتهتز عقيدتهم وتتزعزع؛ لكن آخرين يتمسكون بإيمانهم بعليٍّ ويرفضون معرفة أي شيء عن الخليفتين؛ وفي تلك اللحظة يأمرُ المهدي عاصفةً سوداء تقتلع كلَّ الذين آمنوا بمعجزة أبي بكر وعمر، كما تقتلع الأشجار فينقلبون ويموتون، وفي النهاية يؤخذ أبو بكر وعمر من الشجرة وُيبعثان إلى الحياة بإذن الله وعلى أبي بكر وعمر أن يتحملا مسوؤلية ما فعلا مع علي وفاطمة، وفي تلك اللحظة تصعد النار من الأرض وتأكل الخليفتين، ولكن هذا ليس هو نهاية العقاب، وإنما سيأتي جميع الأئمة ويأخذون بثأرهم من عدويهم؛ سيبعثان إلى الحياة ألف مرة كل ليلة ويعاقبان عقاب ميتة مريعة. ويعمل المهدي المنتظر على تحرير الحرمين من النواصب، والقدس من بعد حربه الترك (على خلاف: هل هم الروس أم لأتراك)، فيقاتل "السفياني"، الذي يتحالف مع اليهود والروم، وتدور معركة كبرى بين الطرفين، تكون الغلبة فيها للمهدي، فيدخل القدس فاتحا، وينزل الغضب الإلهي على قوات السفياني واليهود، وينطق الحجر فيشي بمن يختبئ خلفه. ثم يخرج الدجال بفتنته، ويتبعه اليهود والنواصب والشاذون والشاذات، لكن المهدي يكشف زيفه ويقضي عليه وعلى أتباعه.
وبعد تنحية الخصوم يجتمع النبي وجميع الأئمة الإثني عشر في الأرض مع أعدائهم: النبي قاضيا، والأئمة من علي فصاعدا مُدَّعين، والخصوم الشخصيون للأئمة مُدَّعى عليهم، ومن خلال مرافعةِ الاتهام سيكون الحديثُ عن تاريخ الخلافة كلها من بداية الإسلام إلى عهد المهدي.
ويتولى المهدي بعدئذ السيادة على العالم ويختار الكوفةَ عاصمة له، وتختفي كل الديانات ما عدا الإسلام، ولن يكون هناك أي مكان لعبادة الأوثان. [تنظر القصة كاملة كما أوردها الكليني في بحار الأنوار: ج13/ ص209. ويراجع: جواد علي: المهدي المنتظر عند الشيعة الإثني عشرية؛ وعلي الكوراني العاملي: عصر الظهور؛ وجابر البلوشي: خروج المهدي عام 2015م (http://www.jbolushi.com/books/main.htm)].
[31]) يُفسِّرُه محمد محمد صادق الصدر بـ "آخر الحُكَّام المُنحَرفِين لهذه المنطقة" [موسوعة الإمام المهدي، تاريخ ما بعد الظهور،: ج3/174] في إشارة إلى "أبي سفيان" بداية الحكم المُنحَرف في الإسلام عند الشيعة، التي تثبت رواياتهم أنه من ولده من نسل أمية، وليس اسم السفياني مهما، بل الرمزية التي تدل على خط معين، وموقف من الإسلام الشيعي. [للتوسع ينظر: عبدالكريم الزبيدي: عصر السفياني].
[32]) علي كوراني العاملي: عصر الظهور، ص159/ دار المحجة البيضاء – بيروت. ط 7/2004م، ومن المهم التنبيه على أن السنة لا يتفقون مع الرؤية الشيعية في كينونة المهدي، لا من حيث الجذور في السلسلة المباركة (يرونه من الفخذ الحسني لا الحسيني)، ومن حيث السرمدية (يرون أنه سيولد كباقي البشر وليس خالدا منذ مولده)، ولا من حيث تفاصيل الوظيفة الشرعية (يتفقون مع الشيعة في كونه يخرج في زمن الفتنة العمياء وفشو الهرج والمرج، وضعف المسلمين العام وتكالب الأمم عليهم، لكن وظيفته قيادة الأمة الإسلامية لقتال الأعداء التقليديين من يهود ونصارى، ويواجه مع ابن مريم المسيح العدوين القَدَريين (الدجال ويأجوج مأجوج) وليس تصفية حسابات مسألة الإمامة بطريقة غنوصية خرافية.
[33]) عصر الظهور/ 7-8
[34]) عصر الظهور/161
[35]) يقول في صفحة 165: "لا يوجد في الروايات تحديد لزمان هذا الحدث، لكن مجموع صفاتها، مضافا إليها ما ورد في الروايات الأخرى عن قم وإيران، ترجح احتمال أن يكون المقصود بها الإمام الخميني وأصحابه".
[36]) يرى آخرون أنه قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري؛ بحكم أنه قائد القوات الفعلي لحرس المُمَهِّدين، ونص عبارة الكوراني: "يبدو من أحاديثه (=الإمام الباقر) أنه القائد الأعلى لدولة أهل المشرق، ولكن يبقى احتمال أن يكون قائدا سياسيا بإمرة المرجع والقائد الأعلى أمرا واردا..". عصر الظهور/ 185.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق